الاراضي المقدسة الخضراء /Green Holy Land :
في ندوة نظمها ائتلاف «أمان» لمكافحة الفساد حول مكب النفايات الصلبة «زهرة الفنجان» الذي يقع في جنين، تم تناول جوانب مختلفة تتعلق بهذا المكب، الذي يعتبر وبشكل نسبي، من أفضل الأمثلة لتصميم مكبات للتخلص من النفايات الصلبة في بلادنا، سواء من حيث الموقع، أو البناء، أو عملية الطمر والتخلص من النفايات، ويعتبر مثالاً ناجحاً على إمكانية التخلص من مكبات النفايات العشوائية، غير الصحية والمضرة بيئيا، والمنتشرة بشكل كبير في بلادنا، ومكب «زهرة الفنجان» يعتبر احد النجاحات في مجال البيئة في بلادنا، ورغم ذلك، ورغم أن هذا المكب بات يخدم مناطق أكثر وأوسع مما كان مخططا له مسبقاً أو حين تم بناؤه، إلا أن تداخل السياسة مع الاقتصاد مع البيئة والصحة والقرب من السكان وبالتالي انتشار الروائح الكريهة، يستدعي أخذ كل هذه الجوانب بعين الاعتبار، حين العمل من أجل تصميم أو بناء مكبات نفايات صلبة جديدة، في المحافظات الفلسطينية المختلفة، والتي نحن بالأحوج إليها.
والتخلص من النفايات الصلبة وغيرها من النفايات، هي ضرورة بيئية وصحية لنا، حيث إننا الأحوج لحماية البيئة وبكافة مصادرها، مع الزخم المتصاعد للبناء وللنشاط العمراني والسكاني، والمصادر الطبيعية المحدودة، فإن الانتباه إلى الجانب البيئي لكل هذه النشاطات هو أمر هام، ومن ضمن الإجراءات المطلوب القيام بها في هذا الصدد، وبالإضافة إلى تطبيق القوانين البيئية الملزمة هو إنشاء المكبات في ظل الشروط الصحية والبيئية، وبالتالي الانتهاء تماماً من المكبات العشوائية ومن عملية حرق النفايات في الحاويات.
ومن الإشكالات التي أحاطت أو تحيط باستمرار عمل مكب «زهرة ألفنجان» والتي يجب أخذها بعين الاعتبار حين مناقشة عملية التخلص من النفايات الصلبة، هو الموقع، أو المكان الذي من المفترض أن تتواجد فيه مكبات النفايات الصلبة، وبالأخص التأثير على السكان القريبين من المنطقة، وليس من الضرورة أن تكون هناك آثار صحية مباشرة، ولكن استمرار انتشار الروائح، وبالإضافة إلى الإزعاج، قد يكون لذلك آثار صحية غير مباشرة، أو بعيدة المدى على الناس في المنطقة، وبالتالي لا عجب أن تتواصل شكاوى المواطنين الذين يسكنون بالقرب من مكب «زهرة الفنجان»، من الروائح الكريهة، وبالأخص إذا بقيت النفايات الصلبة لفترة أطول من المفروض، قبل عملية طمرها.
ومن الأمور الأخرى هو إمكانية وصول النفايات الخطرة، من نفايات طبية وكيميائية وغيرهما الى مكبات النفايات العادية، مثل مكب «زهرة الفنجان»، حيث إن طريقة التخلص من النفايات الخطيرة أو التعامل معها تختلف عن التخلص من النفايات العادية، وإذا وصلت هذه النفايات الخطرة الى مكبات النفايات العادية، واحتمالات تسرب العناصر الكيميائية الخطيرة إلى العصارة وبالتالي الى المياه الجوفية، وهذا بدوره يتطلب إجراء الفحوصات المخبرية الروتينية للعصارة، وكذلك تدخل الجهات الرسمية، من البيئة والصحة والحكم المحلي، للتأكد من أن النفايات الخطرة يتم التخلص منها بأسلوب علمي سليم.
ومن ضمن الإشكالات التي تحيط بمكب «زهرة الفنجان» القدرة الاستيعابية، حيث من الواضح أن هذا المكب يغطي في الوقت الحاضر مناطق أوسع بكثير مما كان مخططاً له عند إقامته، حيث كان فقط مخصصاً لمحافظات جنين وطوباس، أما الآن ولأسباب مختلفة، لها علاقة بالسياسة والاحتلال والاقتصاد فانه يغطي حتى محافظات رام الله والبيرة، ونابلس، وغيرهما، وهذا بدورة، سوف يعمل على تقصير عمر المكب، وعلى إحداث إشكلات تتعلق بعملية الاستقبال والطمر والتعامل مع النفايات المختلفة.
وإذا كانت عملية التخلص من النفايات الصلبة من خلال مكبات بيئية صحية هي الأولوية، فإن عملية التقليل من النفايات الصلبة من الأساس هي من أحد أهم المبادئ للتعامل مع مشكلة النفايات المختلفة، ومنها النفايات الصلبة، سواء من حيث التقليل من شراء المواد الاستهلاكية التي تستخدم لمرة واحدة فقط، واتباع ثقافة الفصل بين النفايات، كما هي متبعة وبسهولة وبسلاسة وحتى بعائد اقتصادي بالإضافة الى العائد البيئي، في مجتمعات عديدة في العالم، وعملية فصل النفايات سوف تسرع أو تشجع عملية إعادة التدوير وبالتالي الاستفادة من كميات كبيرة من النفايات، مثل الورق والبلاستيك والزجاج.
ومثال مكب «زهرة الفنجان»، كمثال ناجح بيئياً في بلادنا، يستدعي التفكير على المدى البعيد لإبقاء هذا المكب يعمل، بل مع عائد بيئي واقتصادي، اي العمل على إنتاج الطاقة الكهربائية من النفايات أو من تحللها أو نتائج عملية التحلل، وهذا ما يتم في العديد من بلدان العالم، وحتى أن هناك دولاً تقوم بشراء النفايات لإنتاج الكهرباء منها في مكباتها، وبالإضافة الى إنتاج الكهرباء، فإن إنتاج السماد العضوي وبطريقة صحيحة من المكبات ومن ضمنها مكب «زهرة الفنجان» يعتبر من المشاريع الناجحة، وبالأخص أن جزءاً كبيراً من النفايات الصلبة في بلادنا، هي نفايات منزلية، أي تحوي كميات كبيرة من المواد العضوية والطعام، وبالتالي هناك إمكانية لاستخدام السماد العضوي في المناطق الزراعية القريبة والبعيدة من المكب، مع عائد اقتصادي وبيئي وزراعي وصحي، ومع الحفاظ على المشروع وإطالة فترة استخدامه.
No comments:
Post a Comment