نحو بيئة نظيفة وجميلة

test

أحدث المقالات

Post Top Ad

Your Ad Spot

Friday, July 7, 2023

كيف نطعم العالم من دون تدمير الكوكب؟

 الأراضي المقدسة الخضراء /GHL


كتبت الكاتبة وئام يوسف 

أمرٌ واحد يطلبه الكاتب جورج مونبيوت من قرائه، بينما يقطّع أحدهم طبق السلطة، أن يفكروا قليلاً كيف وصلت المكونات إليهم، وكيف كانت الرحلة: حيوية مليئة بالهواء والضوء والمغذيات، أم كانت قفزات سريعة معززة بالسماد الصناعي والممارسات الزراعية الخاطئة؟

جورج مونبيوت ناشط بيئي، يقول إن التنوع البيولوجي والنظام الأيكولوجي بين الكائنات على حافة كوارث عديدة، وأحد الأسباب هو نظامنا الغذائي، وطريقة تفكيرنا بالأكل وكيفية تناولنا أيضاً.

في كتابه "إطعام العالم دون تدمير الكوكب"، يحكي الباحث البريطاني عن حال الكرة الأرضية بعد استخدام الزراعة الجائرة لعقود طويلة قتلت البكتيريا والحشرات، وكيف تقلصت المساحات بسبب الزحف العمراني والزراعات الداعمة لصناعة اللحوم مثل فول الصويا، ثم يأتي الاحتباس الحراري ليضع البشرية في كارثة أوصلت 800 مليون شخص لأن يعانوا من الجوع اليوم، و150 مليون طفل دون الخامسة للمعاناة من توقف النمو.

كتاب "إطعام العالم دون تدمير الكوكب" صدر في العام 2022، في بريطانيا باللغة الإنجليزية، إلى جانبه أصدر الكاتب مؤلفاتٍ ووثائقياتٍ تحكي عن علاقة الإنسان بالنظام البيئي، والخلل الذي حل بهذا النظام بسبب ممارساتنا البشرية الخاطئة، ويكتب جورج مونبيوت بشكل دوري في صحيفة الغارديان البريطانية.

التربة منقذتنا الأولى

"يأتي 80% من طعامنا من المزروعات القادمة إلينا من التربة، فالتربة هي أصل الحياة على كوكب الأرض، وسبب عيشنا ومصدر غذائنا وغذاء ملايين الكائنات الحية"، يقول مونبيوت في كتابه.

ويضيف أن حفنة من التراب تعيش فيها كائنات دقيقة يفوق عددها أعداد البشر على الأرض، وتربط فيما بينها عملية حيوية بيولوجية إذا تمت بشكلها الصحيح، من شأنها تغذية التربة وتهويتها وإبقاؤها حيّة وغنية.

ونقرأ أيضاً في الكتاب: "التربة موطن لمليارات الكائنات الدقيقة المفيدة، بكتيريا وديدان وفطريات، وظيفتها تحليل المواد الميتة كالأوراق والجذور والجثث، هذه الوظيفة تتم في رحلة متتابعة وعوالم طبيعية متماسكة تجعل التربة تنظم نفسها كمعدة ضخمة تهضم كل شيء.

عندما تكون التربة نابضة بالحياة تخزن عبر النباتات المزيد من الكربون، المسبب الأول للاحتباس الحراري العالمي، لتكون التربة أفضل منقذ للبيئة، فهي أكبر خزان للكربون في العالم".

وبينما يلهث الإنسان في يومياته، لا يأبه أحياناً كثيرة بسلوكياته الخاطئة التي أدت إلى مرض التربة وعجزها عن القيام بمهمتها وإتمام دورتها لأجلها ولأجل باقي الكائنات.

الزراعة التقليدية الجائرة، وقطع الغابات، والزحف العمراني المستمر وغير ذلك، هي ممارسات يستنفد عبرها الإنسان التربة ويسممها ويقتلها، ما جعل العالم يخسر ثلث الأراضي الخصبة، وبات استصلاحها تحدياً كبيراً يحتاج عقوداً من العمل وتضافر جهود كل العالم، بحسب الكتاب.

يشير مونبيوت إلى أن التربة في مناطق كثيرة حول العالم عاجزة اليوم عن امتصاص كمية كافية من ثاني أوكسيد الكربون الذي تنتجه البشرية، بسبب التعامل الخاطئ المستمر منذ عقود، كانت بدايته الزراعات التقليدية الجائرة على التربة والتي تحشوها بالمبيدات السامة، ما أضعف التربة وجعلها ثقيلة ومضغوطة ومتآكلة، وقلل كمية المحاصيل.

يعود بنا إلى ما يسمى بالثورة الزراعية التي انطلقت منتصف القرن الماضي، بهدف زيادة المحاصيل، واستخدمت فيها آلات غزت عمق التربة فقضت على كائناتها الدقيقة واستهلكت مغذياتها، فباتت التربة جافة وفقيرة، ليكون التعويض عبر السماد الصناعي والمبيدات، ما زاد الطين بلةً.

يكتب: "المبيدات هي رأس الحربة في محاربة التربة، فسمومها قابلة للذوبان في الماء وتتحرك في التربة فتتسرب إلى المياه الجوفية والسطحية عند نزول المطر، بهذا تنتشر في أنحاء البيئة وتمتصها نباتات برية عبر الجذور، هذا يشكل بيئة كاملة سامة تهدد الحشرات بالاختفاء، ما يهدد النظام البيئي. تدهور حياة الحشرات أمر غاية في الخطورة، بدون دودة القز والخنفساء والنحلة سوف تتوقف الحياة كما نعرفها".

هذا الخلل الكبير في التعامل مع التربة لا يدمر فقط النظام البيئي، بل النظام الغذائي العالمي، ويهدد صحة الإنسان أيضاً: "الناس الذين يموتون بسبب الأمراض الناتجة عن الأنظمة الغذائية عددهم يفوق من يموت بسبب التدخين على مستوى العالم".

يطالب الناشط البيئي بإعادة الحياة للتربة، وأن نعطيها أكثر مما نأخذ منها، وأن نغذيها قبل تغذية المزروعات. "على الفلاحين أن يعيدو النظر في أساليب وممارسات الزراعة، أن يحدوا من الزراعة التقليدية المكثفة التي تؤدي إلى انخفاض الأنواع وفقدان التنوع البيولوجي.

استبدال نهج الزراعة أمر مكلف لكن الثمن النهائي يستحق، يجب العمل على استصلاح التربة الملوثة عبر مزجها بالأوراق وروث الحيوانات، فذلك سيقوي المحاصيل، ومع الوقت ستتمكن من حماية نفسها دون استخدام مبيدات حشرية".

تغيير أسلوب الزراعة وطريقة التعامل مع التربة سيجعلانها مرنة ومتفتحة وحية، وستعمل دورتها الحيوية بانتظام من تلقاء نفسها، عبر الحوار بين كائناتها الدقيقة والهواء وبقايا المحاصيل ومخلفات الحيوانات.


اللحوم تلتهم الكوكب

تعتبر الثروة الحيوانية الخاصة باللحوم ومنتجات الألبان في أنحاء العالم من أكبر مصادر الانبعاثات الحرارية بعد الوقود الأحفوري، يقول جورج مونبيوت في كتابه، مضيفاً أن هذه الثروة الحيوانية مسؤولة عما يفوق 15% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية.

"إنتاج اللحوم أحد الأسباب الرئيسة لفقدان الأرض تنوعها البيولوجي وتلوث المياه وإزالة الغابات. الماشية تنتج 18% من غذاء العالم، بينما استهلاكها يحتاج حوالي 83% من جميع الأراضي الزراعية، إذاً الفجوة كبيرة بين ما تحتله من مساحات وبين ما تقدمه للبشرية".

سياسة أخرى جائرة يمارسها الرعاة لأجل ماشيتهم، بحسب مونبيوت، هي استبعاد الحياة البرية من حولها، وقتل الحيوانات المفترسة، وجزّ الأعشاب البرية المحيطة، وقطع الأشجار، يتابع أن هذا تدمير عميق للنظام البيئي والغطاء النباتي، يحول الأرض لصحراء برية تربتها متآكلة وقدرتها على الاحتفاظ بالكربون منخفضة جداً.

أما الحيوانات التي تعيش على الحبوب فلا تقل ضرراً عن السابقة لأن غابات كثيرة تقطع في أمريكا الجنوبية وحوض الأمازون وأماكن أخرى لأجل زراعة فول الصويا. "لنأكل فول الصويا دون الحاجة لأكل الحيوان الذي يعيش على الصويا بعد تدمير آلاف الهكتارات من الغابات".

ويعرج على تربية الماشية في الأماكن المغلقة كالمزارع والمداجن: "أماكن تعج بالفوضى والقسوة، إنتاج اللحوم في أماكن المغلقة له آثار بيئية كبيرة، بسبب العلف المستخدم لتغذية الحيوانات، والكم الهائل من النفايات التي تنتجها والتي تذهب للممرات المائية، فتلوثها ويصل ضررها البحار والمحيطات.

تهاجم تربية الحيوانات كل نظام من أنظمة الأرض، العامل الرئيس لتدمير الموائل وفقدان الحياة البرية، تتسبب في انبعاثات حرارية تفوق الانبعاثات التي تحدثها وسائل النقل حول العالم.

تربية الحيوانات لأجل اللحوم تمتد حول مساحات شاسعة من الكوكب وتتسبب في تكاليف هائلة من الكربون والفرص البيئية، هي أيضاً من أكبر مسببات الاستيلاء على الأراضي وتهجير أهلها لصالح تربية الماشية. اللحوم تلتهم الكوكب".

ثورة الأكل

مصير الكوكب يتوقف على الطريقة التي نختار بها تناول الطعام، يؤكد الباحث البريطاني، ويدعو إلى ثورة جديدة في  الأكل مع تحول عالمي إلى نظام غذائي نباتي "يجب تغيير الطريقة التي ننتج بها الطعام والتي نأكل بها أيضاً.

إذا توقفنا عنيلفت إلى أن النظام النباتي يحتاج إلى مهارة في الطهو، ومتعة في ممارسته، فهذا النظام يحتاج تنوعاً بالأطباق والنكهات، والسنوات الأخيرة شهدت ازدياداً في عدد النباتيين حول العالم، تزامناً مع زيادة المطاعم النباتية ومصنعي المواد الغذائية النباتية، وهو أمر محفز بحسب مونبيوت.

كما يشير إلى أن بعض الأطباق النباتية  ليست رخيصة، معللاً ذلك بأن 50% من الزراعات النباتية موجهة للمواشي، ما يجعل أسعارها مرتفعة "إذاً التوقف عن تربية الماشية لأجل اللحوم سيوفر المزيد من المنتجات النباتية بأسعار منخفضة. لدينا كل الوسائل والتكنولوجيا والخيارات للانتقال إلى النظام النباتي".

جورج مونبيوت صوت عالٍ في مجال البيئة يحاول لفت أنظار العالم إلى أهمية النظام الإيكولوجي العالمي، ويدعو للتوقف والتفكير قليلاً في علاقتنا مع الطبيعة وباقي الكائنات، عبر محاضراته ومقالاته وكتبه.

وفي كتابه الأخير يؤكد أنه يمكن إطعام العالم بكامله دون تدمير الكوكب، وأن الأرض فضاء حيوي يتسع للجميع، ويمكن للكائنات كلها، بما فيها البشر، أن تعيش جيداً في هذا الفضاء الذي يسير وفق نظام بيولوجي يربطنا ويغذينا جميعاً، يعمل بدقة وتلقائية، شرطه الوحيد ألا نعبثَ به أو نخلّ بعقاربه. تناول اللحوم ومنتجات الألبان، لدينا إمكانات هائلة لامتصاص الكربون من الغلاف الجوي، لأن أراضي كثيرة تشغلها الماشية ستستعيد الغطاء النباتي. يمكن أن تنمو الأشجار مرة أخرى، ويمكن أن تنمو النباتات العميقة أيضاً، بذلك تمتص ثاني أوكسيد الكربون من الغلاف الجوي، وتعطينا فرصة ممكنة لمنع الكوارث المناخية".

يطلب الكاتب العودة إلى طعام الجدات، إلى الطرق الغذائية القديمة كالتخمير والتجفيف "تغيير العادات الغذائية أمر صعب كما هو تغيير العادات الدينية، لكنه ليس مستحيلاً. الأمر يبدأ باتخاذ القرار، ومع مرور الوقت سوف يحدث تغير في طريقة التفكير والسلوك الغذائي أيضاً. الدماغ يكيّفنا مع نمطنا الغذائي الجديد وظروفنا الجديدة، ثم فجأة سوف يعجبنا ما نتناوله، ولاحقاً لن نرضى عما كنا نأكله في السابق".

عن مجلة رصيف 22


No comments:

Post a Comment

بير العلندة

 الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands صور متنوعة لبير العلندة في برية بيت لحم 

Post Top Ad

Your Ad Spot

???????