الأراضي المقدسة الخضراء/GHL
"جلسنا تحت الجرف الصخري البازلتي بعد مسار طويل وشاق، وكان الشلال الجولاني يصرخ على طريقته، فما تلبث أن تنسكب الهموم إلى قلب الأرض ما أن تتساقط قطرات الماء الباردة المتلألأة اللامعة على أجسادنا. لقد تمنيت لو أُني سمكة تنساب مع جداول المياه الرقراقة حتى أعيش لحظات الجمال الآسرة، أو أن لدي ريشة وألوان لأرسم لوحة الطبيعة الفاتنة، كنت أنظر بذهول إلى الأعلى، نحو الشلال، حيث تدّفق الماء إلى جوفي، فغسل كل التعب الذي عانيناه من الجو اللاهب" الناشط البيئي رامي كتانة".
يبدأ المرشد والدليل البيئي أكرم شعبان حديثه بتحليل لغوي لــ "الجَوْلان"، قائلاً: "هي كلمة مُشتقة من الفعل (جال/ يجول) وهي مرتبطة بالتنقل والترحال، وتعني أيضًا المكان المرتفع، وقد أُطلِقَ عليها أسماءٌ أخرى من نفس الجنس باختلاف لغة من مرّوا بها، ففي اللغة الآرامية عُرفت بـ "جيلان أو جلانا أو جولانا"، وأسماها اليونانيون (جولانيتس)، وتحوّلت في العصر الروماني إلى (جولانيتيد)، وهذا يدل على قِدم الاسم، وحضور هذه المنطقة بقوة في التاريخ الإنساني، ودورها المهم في حقب زمنية مختلفة".
ثمار التين في قرية الرّمْثانية السورية المهجره
أقسام هضبة الجَوْلان
تُقسّم هضبة ومرتفعات الجولان إلى ثلاث مناطق طبيعية، وتقدّر المساحة الإجمالية لها بـ 1860 كم2، وتمتد على مسافة 74 كم من الشمال إلى الجنوب دون أن يتجاوز أقصى عرض لها 27 كم، يخضع ثُلثاها للسيطرة الإسرائيلية، وتعد الهضبة أرضًا زراعية خصبة، كما أنها مورد مهم من موارد مياه الينابيع والأنهر الجارية طوال السنة، مما جعلها تتوّشح بالأخضر حتى في فصل الصيف، إذ تتساقط مياه الأمطار من مرتفعات الجولان نحو نهر الأردن، كما تصب عديد من الشلالات وعيون الماء في بحيرة طبريا.
وبشأن هذه التقسيمات للمناطق الطبيعية، يشرح الناشط والمرشد البيئي محمد كحيلة: "في الجزء الشمالي من الجولان تقع أرض الوعر وتمتد من وادي السعار حتى "وادي الجلبون"، بارتفاعات تراوح بين 1200م و700م، مناخها بارد رطب وماطر، إذ يصل معدل الأمطار إلى أكثر من 1000 ملم سنويًا، وتكثر في هذه المنطقة التلال البركانية مثل "تل الغرام"، و"تل أبو الندى"، كما يصل سُمك البازلت فيها إلى مئات الأمتار، ويكثر في هذا القسم زراعة التفاح والكرز، وتُربى فيها أبقار الحليب بكثرة.
أما القسم الثاني وسط الجولان ويُسمى بــ "أرض البور" أو أرض البقر، وذلك لأن سطح هذه المنطقة صخري، كثير الحجارة، يصلح للمراعي، ويعرف عنه أنه من أغنى المناطق بالثروة الحيوانية في البلاد.
ويمتد هذا القسم بين وادي الجلبون في الشمال ووادي السمك في الجنوب، وهو يعد "منطقة هضبة" تقريبًا يراوح ارتفاعها بين 600 م و700 متر عن سطح البحر تنحدر تدريجًا نحو الغرب لتصبح أقل ارتفاعًا، بالقرب من بحيرة طبريا، تقطعها أودية وأخاديد تصب جميعها في شمال شرق البحيرة، تتكون الشلالات العالية خلال جريانها غربًا، وتجري فيها كميات هائلة من المياه في فصل الشتاء.
ويواصل كحيلة حديثه معنا بالقول: "أما جنوب الجَوْلان فيُطلق عليه اسم "أرض القمح"، حيث أن عمق التربة وكمية الأمطار الهاطلة عليها وسطحها المستوي جعلها ملائمة لزراعة الحبوب، وهذا القسم عبارة عن هضبة مستوية السطح تمتد من وادي السمك حتى أخدود اليرموك جنوبًا، مغطاة بتربة بازلتية خصبة عميقة ملائمة للزراعة، لذا فهي أوسع منطقة في الجولان، وترتفع المنطقة ارتفاعًا يتفاوت من 350 م إلى 450 م عن سطح البحر.
جيولوجيا الجولان البازلتية
مرتفعات الجولان السوري هي عبارة عن هضبة صخرية تنتشر فيها الصخور البازلتية بكثافة إذ تنتج عن الانفجارات البركانية، التي بدأت في جنوب الجولان قبل ملايين السنين، وحسب خبراء الجيولوجيا فقد وقع آخر انفجار بركاني في الجولان قبل أربعة آلاف عام في شمالي شرقي الجولان، وتعد هضبة الجولان اليوم منطقة بركانية "نائمة" قد تنشط يومًا ما، وهضبة الجولان أرض زراعية خصبة تحتوي على الكثير من الموارد الطبيعية، ويشتهر أهلها من العرب السوريين بزراعة أشجار التفاح والكرز والكرمة واللوزيات.
عن مجلة افاق البيئة و التنمية
No comments:
Post a Comment