أكّد برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) أن الآثار البيئية الناجمة عن الحرب في غزة غير مسبوقة، مما يعرّض المجتمع للمعاناة من تفاقم مشكلة تلوُّث التربة والمياه والهواء بصورة سريعة ومخاطر الأضرار التي لحقت بنظمها الإيكولوجية الطبيعية والتي لا يمكن إصلاحها.
جدد برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب)، في تقييم أولي نشره أمس الأربعاء، دعوته إلى وقف فوري لإطلاق النار لحماية الأرواح والمساعدة في نهاية المطاف في التخفيف من الآثار البيئية الناجمة عن نشوب النزاع.
وقالت إنغر أندرسن، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب): "لا يواجه سكان غزة معاناة لا توصف من الحرب المستمرة فحسب، بل إن الأضرار البيئية الكبيرة والمتزايدة في غزة تهدد بمعاناتهم من جراء تنفيذ برامج إنعاش مؤلمة وتستغرق زمناً طويلاً".
وأضافت أندرسن أنه "في حين لا تزال هناك العديد من الأسئلة بشأن نوع وكمية الملوّثات التي تؤثر على البيئة في غزة، يعيش شعب غزة بالفعل في معاناة من عواقب الأضرار الناجمة عن نشوب النزاعات على نظم الإدارة البيئية والتلوُّث في الوقت الحالي، حيث تعرضت نظم المياه والصرف الصحي للتدمير، ولا تزال البنية التحتية الحيوية تتعرض للتدمير، وقد تأثرت المناطق الساحلية والتربة والنظم الإيكولوجية بشدة جراء ذلك".
وأكّدت أن كل هذه العواقب تضرّ بصحة الناس بشدة وأمنهم الغذائي وقدرة غزة على الصمود، قائلة ’"نحن بحاجة ماسة إلى وقف إطلاق النار لإنقاذ الأرواح وإصلاح البيئة، ولتمكين الفلسطينيين من البدء في التعافي من آثار النزاع وإعادة بناء حياتهم وسبل عيشهم في غزة".
ولعقود من الزمن، واجهت البيئة في غزة تدهوراً وضغوطاً أثّرت على نظمها الإيكولوجية، نتيجة لنشوب النزاعات المتكررة، والتوسع الحضري السريع، والكثافة السكانية العالية، والظروف السياسية، وقابلية المنطقة للتأثر بتغيُّر المناخ.
ويخلص التقييم الأولي، الذي أجراه برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) إلى تقويض التقدم الذي أُحرز مؤخراً، وإن كان محدوداً، في نظم الإدارة البيئية في غزة، بما في ذلك تطوير مرافق تحلية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي، والنمو السريع في استخدام الطاقة الشمسية، والاستثمارات في إصلاح الأراضي الرطبة الساحلية في وادي غزة.
وأشار التقرير إلى توليد ما يقدّر بنحو 39 مليون طن من الحطام حيث يوجد حالياً أكثر من 107 كيلوغرامات من الحطام لكل متر مربع في قطاع غزة، موضحاً أن كمية الحطام هذه هي أكثر من خمسة أضعاف كمية الحطام الناتج عن النزاع الذي نشب في عام 2017 في الموصل في العراق.
وشدد على أن الحطام يشكّل مخاطر على صحة الإنسان والبيئة، بدءاً من الغبار والتلوُّث بالذخائر غير المنفجرة ووصولاً إلى الأسبستوس والنفايات الصناعية والطبية وغيرها من المواد الخطرة، مؤكداً ضرورة التعامل مع الرفات البشرية المدفونة تحت الأنقاض بحساسية وبشكل مناسب، لافتاً إلى أن إزالة الأنقاض ستكون بمثابة مهمة ضخمة ومعقدة، ويجب أن تبدأ في أقرب وقت ممكن لتمكين البدء في تنفيذ برامج أخرى من الإنعاش وإعادة الإعمار.
ولفت التقرير إلى تعطُل نظم المياه والصرف الصحي والنظافة العامة بالكامل تقريباً، حيث أدى النزاع إلى إغلاق محطات معالجة مياه الصرف الصحي الخمس في غزة، مما أدى إلى تلويث الشواطئ والمياه الساحلية والتربة والمياه العذبة بمياه الصرف الصحي بمجموعة من مسببات الأمراض والمواد المغذية والجسيمات البلاستيكية الدقيقة والمواد الكيميائية الخطرة، مما يشكّل تهديدات مباشرة وطويلة المدى على صحة سكان غزة والحياة البحرية والأراضي الصالحة للزراعة.
ونوّه التقرير بتعرُّض نظام إدارة النفايات الصلبة لأضرار بالغة. ولحقت أضرار بخمسة من أصل ستة مرافق لإدارة النفايات الصلبة في غزة. وبحلول تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، تراكم 1200 طن من القمامة بصورة يومية حول المخيمات والملاجئ. وقد أدى النقص في الغاز المستخدم في الطهي إلى إجبار الأسر المعيشية على حرق الأخشاب والمواد البلاستيكية والنفايات بدلاً من استخدام غاز الطهي، مما يعرّض النساء والأطفال للخطر على وجه الخصوص. ومن المرجح أن يؤدي هذا، إلى جانب نشوب الحرائق وحرق الوقود، إلى انخفاض حاد في نوعية الهواء في غزة، على الرغم من عدم توفُّر بيانات مفتوحة المصدر عن نوعية الهواء في غزة.
كما حذّر التقرير من انتشار ذخائر تحتوي على معادن ثقيلة ومواد كيميائية متفجرة في المناطق المكتظة بالسكان في غزة، مما أدى إلى تلويث التربة ومصادر المياه، وتشكيل خطر على صحة الإنسان سيستمر لفترات طويلة بعد وقف الأعمال العدائية، حيث تشكّل الذخائر غير المنفجرة مخاطر جسيمة على وجه الخصوص على الأطفال.
وتوقّع التقرير أن يؤدي تدمير الألواح الشمسية إلى تسرب مادة الرصاص والمعادن الثقيلة الأخرى، مما يسبب نوعاً جديداً من المخاطر على التربة والمياه في غزة.
واعتماداً على معايير بناء الأنفاق ومدى غمر هذه الأنفاق بالمياه، يحذّر التقييم الأولي من مخاطر طويلة المدى على صحة الإنسان من تلوُّث المياه الجوفية والمباني التي يتم تشييدها على أسطح الأراضي التي يحتمل أن تكون غير مستقرة.
ونظراً للوضع الأمني الراهن والقيود المفروضة على الوصول، يعتمد التقييم الأولي على تقييمات الاستشعار عن بعد، والبيانات الواردة من الكيانات الفنية الفلسطينية، والمشاورات مع الشركاء المتعددي الأطراف، والمواد غير المنشورة سابقاً من النشاط الميداني الذي اضطلعت به الأمم المتحدة، والمؤلفات العلمية.
ويرى معدو التقييم أن حل التحديات البيئية المباشرة والمزمنة في غزة أمر أساسي لصحة سكانها والذي يجب دمجه في خطط الإنعاش وإعادة الإعمار، مؤكدين ضرورة أن يكون التحليل البيئي، بما في ذلك تقييم التلوُّث الناجم عن الذخائر وغيرها من أشكال التلوُّث الناجمة عن نشوب النزاع، جزءاً لا يتجزأ من التخطيط المتعلق بالإنعاش وإعادة الإعمار، وأن تعالج عملية إعادة إعمار غزة أيضاً القضايا البيئية المزمنة التي كانت موجودة قبل نشوب الحرب.
وأضافوا أنه "بمجرد أن تسمح الظروف الأمنية بذلك ويتم إتاحة الوصول، يتوقع برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) إجراء تقييم ميداني لمدى ونوع التدهور البيئي الذي تعرضت له غزة"، لافتين إلى أنه سيتم وضع خيارات التعافي بالتشاور مع مجتمع البحث العلمي في غزة، والمهنيين في القطاعين العام والخاص، والمجتمع المدني، بما في ذلك النساء والشباب.
يُذكر أن هذا التقييم الأولي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) يأتي استجابةً لطلب رسمي من دولة فلسطين في كانون الأول (ديسمبر) 2023.
عن مجلة البيئة و التنمية .
No comments:
Post a Comment