الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands
رغم ما كشفه تحقيق لـ"أريج" عام 2020، عن الفوضى السائدة في سوق المبيدات في الضفة الغربية، وما تبعه من تقرير رقابي رسمي في العام الذي تلاه، إلا أن الواقع لم يتغير، ولم يتغير انعدام الرقابة، وغياب التوعية، وسماح السلطة الفلسطينية باستيراد مبيدات محظورة أو مقيدة الاستخدام في الاتحاد الأوروبي.
استوردت الضفة الغربية 13 نوعاً من المبيدات المحظورة والمقيدة بشدة في الاتحاد الأوروبي في الفترة بين 2018 و2023، وفق بيانات الوكالة الأوروبية للمواد الكيميائية (ECHA)، بداع أن "ما هو ممنوع في أوروبا لا يعني حظره محلياً، وما دفع لحظره هناك لا ينطبق علينا بالضرورة"، وفق وصف الجهات الرسمية في الضفة الغربية.
لذا تظهر علامات استفهام كبيرة حول أسباب استمرار تصديرها من قبل شركات المبيدات الأوروبية إلى الجنوب العالمي، رغم خطورتها على صحة الإنسان، وتسببها في بعض الأمراض الخطيرة.
من المبيدات المحظورة في أوروبا وتُروج في الضفة، مبيد "مانكوزيب"، الذي تم منعه محلياً عام 2012، لكنّ اللجنة العلمية الفلسطينية أعادت السماح باستخدامه في العام 2017. إذ تبيعه شركتا "باسيف" و"سنجنتا" تحت أسماء مختلفة، مثل: "أكروبات"، و"ريدوميل جولد ام زد".
ووفقاً لتقرير الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية، تتسبب هذه المادة بخلل في الغدد الصماء للبشر، لأنها تغير التوازن الهرموني، الأمر الذي أدى إلى حظرها عام 2020 في أوروبا. وعلى الرغم من الأدلة العلمية المُحذرة من الأضرار التي يسببها "مانكوزيب" في الوظيفة الإنجابية للرجال والنساء، إلا أنه يباع في أسواق الضفة الغربية كمبيد فطريات ضد آفات محاصيل البطاطا والطماطم.
رغم ما كشفه تحقيق لـ"أريج" عام 2020، عن الفوضى السائدة في سوق المبيدات في الضفة الغربية، وما تبعه من تقرير رقابي رسمي في العام الذي تلاه، إلا أن الواقع لم يتغير، ولم يتغير انعدام الرقابة، وغياب التوعية، وسماح السلطة الفلسطينية باستيراد مبيدات محظورة أو مقيدة الاستخدام في الاتحاد الأوروبي.
استوردت الضفة الغربية 13 نوعاً من المبيدات المحظورة والمقيدة بشدة في الاتحاد الأوروبي في الفترة بين 2018 و2023، وفق بيانات الوكالة الأوروبية للمواد الكيميائية (ECHA)، بداع أن "ما هو ممنوع في أوروبا لا يعني حظره محلياً، وما دفع لحظره هناك لا ينطبق علينا بالضرورة"، وفق وصف الجهات الرسمية في الضفة الغربية.
لذا تظهر علامات استفهام كبيرة حول أسباب استمرار تصديرها من قبل شركات المبيدات الأوروبية إلى الجنوب العالمي، رغم خطورتها على صحة الإنسان، وتسببها في بعض الأمراض الخطيرة.
من المبيدات المحظورة في أوروبا وتُروج في الضفة، مبيد "مانكوزيب"، الذي تم منعه محلياً عام 2012، لكنّ اللجنة العلمية الفلسطينية أعادت السماح باستخدامه في العام 2017. إذ تبيعه شركتا "باسيف" و"سنجنتا" تحت أسماء مختلفة، مثل: "أكروبات"، و"ريدوميل جولد ام زد".
ووفقاً لتقرير الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية، تتسبب هذه المادة بخلل في الغدد الصماء للبشر، لأنها تغير التوازن الهرموني، الأمر الذي أدى إلى حظرها عام 2020 في أوروبا. وعلى الرغم من الأدلة العلمية المُحذرة من الأضرار التي يسببها "مانكوزيب" في الوظيفة الإنجابية للرجال والنساء، إلا أنه يباع في أسواق الضفة الغربية كمبيد فطريات ضد آفات محاصيل البطاطا والطماطم.
ينطبق الحال على مبيد آخر اسمه "إيميداكلوبريد"، المنتمي إلى مجموعة المبيدات الحشرية، التي تعمل على الجهاز العصبي المركزي للحشرات، فتسبب شللاً يقتلها خلال ساعات قليلة. لكنّ النباتات تمتص هذه الكيماويات أيضاً، ناهيك عن كونها أحد أسباب انخفاض أعداد الملقحات مثل النحل، وفقاً لعدة دراسات، ولهذا الأسباب حظرته الأسواق الأوروبية.
إلا أن هذا المبيد لا يزال يسوّق في الضفة تحت علامات تجارية مثل "كنفيدور"، كأفضل حل ضد آفات البق والمن وغيرها من الحشرات، التي تهاجم محاصيل الطماطم والأفوكادو والمانجا والبرتقال وغيرها.
لتقدير حجم انتشار هذه السموم يكفي أن نعرف أن الضفة الغربية وحدها استوردت في الفترة ما بين 2021 حتى آب/أغسطس 2023 حوالي 2.9 مليون لتر من مبيدات الآفات الزراعية، وذلك بحسب وزارة الزراعة الفلسطينية. بينما بلغت قيمة واردات المبيدات عام 2021 وحده، قرابة 23 مليون دولار أميركي، بحسب موقع OEC للإحصاءات العالمية.
معايير مزدوجة!
ينتقد باسكوت تونكاك، مقرر الأمم المتحدة السابق المعني بحقوق الإنسان والمواد والنفايات الخطرة، ما يصفه بأنه "معايير مزدوجة" في السماح بتصدير المبيدات السامة للدول الفقيرة، وحظرها في الدول الغنية، يقول: "عندما تقوم بعض أغنى البلدان في العالم بتصدير هذه المواد إلى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، فإن ذلك يتجاوز النفاق؛ إنها ممارسة مؤسفة للغاية، وتنازل سياسي من أجل الصناعة، فعندما تمت صياغة القوانين بحيث تقيد استخدام مواد معينة داخل أوروبا أو أميركا الشمالية، تمت صياغتها بطريقة تسمح بتصنيع تلك المواد وتصديرها، حيث لا يمكنك استخدامها داخلياً، ولكن يمكنك تصنيعها وشحنها إلى مكان آخر".
استوردت الضفة الغربية 13 نوعاً من المبيدات المحظورة والمقيدة بشدة في الاتحاد الأوروبي في الأعوام ما بين 2018 و2023، بحجة أن "ما هو ممنوع في أوروبا لا يعني حظره محلياً".
ويقول الباحث المتخصص في شؤون الزراعة والغذاء في منظمة "Public Eye" السويسرية، لورنت غابرييل: "هناك معايير مزدوجة وأمثلة واضحة على النفاق، لأن ما هو خطير جداً للاستخدام في أوروبا، هو أيضاً خطير جداً للاستخدام في أيّ مكان".
ولعل الوضع الحالي في مناطق السلطة الفلسطينية يقدم نموذجاً واضحاً على هذا النفاق، لأنّ الرقابة شبه معدومة وتوعية المزارعين ليست أولوية، بينما يُرجع مدير دائرة المبيدات في وزارة الزراعة الفلسطينية سلامة شبيب، ذلك إلى النقص في الإمكانيات.
يقول شبيب وهو أيضاً ممثل وزارة الزراعة في اللجنة العلمية الفلسطينية: "نحن في الدائرة عبارة عن ثلاثة موظفين بمن فيهم أنا، ويضاف إلينا مفتش في كل مديرية تابعة للوزارة، وعددهم 14 في كل الضفة، هذا العدد لا يفي بالغرض؛ لأن المفتش مسؤول عن المحال، والمشاتل، وإصدار الشهادات الصحية، ومتابعة اللجان، وتختيم المبيدات، و100 شغلة... بتصفّي الرقابة مشكلة".
كما يتفق عضو اللجنة العلمية المختصة بإقرار المبيدات المسموحة في الأراضي الفلسطينية سامر صوالحة، مع شبيب بالقول: "الرقابة بحاجة إلى إمكانيات، وهي ضعيفة لدينا، إلى جانب نقص الإمكانيات اللوجستية".
وتختص اللجنة العلمية الفلسطينية، بتحديد أنواع المبيدات الزراعية المسموح بتداولها وطرق استخدامها، وتقييم المبيدات الزراعية وإعادة تسجيلها، ووضع آلية لمراقبة وضبط جودة المبيدات الزراعية المتداولة، بالإضافة إلى دراسة أيّة موضوعات تعرض عليها من الجهات المعنية وإصدار التوجيهات بشأنها.
وفي الوقت نفسه، يكشف شبيب أن اللجنة العلمية بصدد تقييم كل المبيدات المستخدمة، واتخاذ قرارات بالسماح أو حظر الاستخدام.
لكنّ صوالحة -ممثل وزارة الصحة في اللجنة-، يرى أنه من الممكن التغلب على ضعف الرقابة بتوعية المزارع والرقابة على كمية المبيدات المستخدمة، وهذا -بنظره- أفضل من منع المبيدات بشكل عشوائي.
وبحسبه، فإن الشركات الكبرى للمبيدات تدفع الملايين لإجراء دراسات لفحص كفاءة أيّ مبيد تُنتجه، وهنا يجب على المزارع التقيد بالجرعة.
التباين في مواقف أعضاء اللجنة العلمية، أشار إليه تقرير رقابي صادر عن ديوان الرقابة المالية والإدارية في الضفة الغربية (مؤسسة حكومية وزارية) نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2021، إذ خلص إلى ضعف فعالية أعمال اللجنة، لعدم وجود دليل إجراءات ينظم أعمالها، وعدم تحديث دليل المبيدات بما يتوافق مع الدراسات والأبحاث العالمية، بالإضافة إلى أن عدم تقييم المبيدات المتداولة، الأمر الذي يسمح بانتشار مبيدات محظورة دولياً بسبب احتوائها على مواد ضارة.
وقد ورد في التقرير أن "ضعف عملية الإرشاد والتوعية حول استخدام المبيدات بالطرق الآمنة، واقتصار عملية الإرشاد على مناطق زراعية محددة دون شمولية جميع المحافظات، قد يؤثر في صحة المواطنين وسلامة المنتجات الزراعية، والبيئة المتمثلة بالتربة والمياه الجوفية".
وعلى الأرض، لا يلتزم كثير من المزارعين بالإجراءات الوقائية أثناء رش المحاصيل بالمبيدات، ولا يتقيدون بالكميات المُوصى بها من قبل الشركات المُصنِّعة، وفق ما وثقه التحقيق عبر جولات في الأغوار الشمالية المسماة "سلة خضار فلسطين".
الربح فقط!
تُعدّ لائحة البرلمان الأوروبي لتسويق مبيدات الآفات (EC 1107/2009) أحد أشد التشريعات صرامة في هذا المجال على مستوى العالم، لكنّ لورنت غابرييل يرى أن هذه التشريعات تغطي فقط استخدام هذه المبيدات في أوروبا، بصرف النظر عن تصديرها خارج حدود القارة الأوروبية، مما يسمح للشركات -بشكل أساسي- بالاستمرار في صنع هذه المبيدات، لتصديرها إلى البلدان التي لا تزال تسمح باستخدامها، بما في ذلك دول شمال إفريقيا، وفق غابرييل.
يحيل أعضاء اللجنة العلمية الفلسطينية حالة "الفوضى" في استخدام المبيدات واستيرادها إلى شح الموارد بما فيها قلة عدد الموظفين وتحديداً المفتشين القادرين على مسح المناطق الزراعية وتقديم النصائح والتوعية بطرق استخدام المبيدات، بما فيها تلك الأنواع المحظورة أوروبياً
في تقرير باسكوت تونكاك، مقرر الأمم المتحدة السابق المعني بحقوق الإنسان والمواد والنفايات الخطرة، يشدد -هو و35 من الخبراء في مجلس حقوق الإنسان- على ضرورة وقف تصدير الدول الغنية موادها الكيميائية السامة المحظورة إلى الدول الفقيرة، حيث القوانين أقل صرامة.
ويضيف التقرير أن "الاتحاد الأوروبي يواصل تصدير مبيدات الآفات والمواد الكيميائية الصناعية السامة هذه، ما يؤدي إلى انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان في الحياة والكرامة والتحرر من المعاملة القاسية واللا إنسانية والمهينة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل".
كما جاء في تقرير المقررة الخاصة المعنية بالحق في الغذاء في منظمة الأمم المتحدة، بأن "مبيدات الآفات التي يُروج لها بشدة تُعد شاغلاً عالمياً من شواغل حقوق الإنسان، ويمكن أن يفضي استخدامها إلى عواقب وخيمة جداً تمس التمتع بالحق في الغذاء، وهي مسؤولة عن نحو 200 ألف حالة وفاة سنوياً جراء التسمم الحاد، منها 99% في البلدان النامية".
تجارة الموت
وفق تقرير منظمة الصحة العالمية، فإن هناك أكثر من ألف نوع من مبيدات الآفات يجري استخدامها في جميع أنحاء العالم لضمان عدم تضرر المحاصيل الغذائية أو تلفها بسبب الآفات. ولكل مبيد من هذه المبيدات خصائص مختلفة وآثار سُمية متباينة.
وكشف تقرير مشترك نشرته منظمتا "السلام الأخضر" و"Public Eye" غير الحكوميتين عن تصدير نحو 82 ألف طن من المبيدات الشديدة الخطورة عام 2018، خارج الاتحاد الأوروبي من التي تم حظرها هناك بسبب "المخاطر غير المقبولة التي تشكلها على صحة الإنسان والبيئة".
يواصل الاتحاد الأوروبي تصدير مبيدات الآفات والمواد الكيميائية الصناعية السامة إلى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، بما فيها الضفة الغربية، ما يؤدي إلى انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان في الحياة والكرامة
وذكر التقرير أن المملكة المتحدة، وإيطاليا، وهولندا، وألمانيا، وفرنسا، وبلجيكا، وإسبانيا، يستحوذون على أكثر من 90% من هذه الصادرات، كما أن ثلاثة أرباع البلدان المستوردة لهذه المبيدات المحظورة -البالغ عددها 85 دولة- هي بلدان منخفضة أو متوسطة الدخل، حيث يُسمح باستخدام هذه المواد رغم مخاطرها.
رد المفوضية الأوروبية
تواصلنا مع مفوضية الاتحاد الأوروبي، وردت بأنها تدرس حالياً خيارات مختلفة لضمان عدم إنتاج وتصدير المواد الكيميائية الخطرة، المحظورة داخل الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك مراجعة التشريعات.
كذلك أوضحت المفوضية أن الاتحاد الأوروبي يقوم أيضاً بدور استباقي في تشجيع التخلص التدريجي من استخدام مبيدات الآفات التي لم تعد معتمدة داخله، وتشجيع المواد منخفضة المخاطر وبدائل مبيدات الآفات على مستوى العالم، من خلال عرض هذه المناقشة على المجتمع الدولي.
وأضافت المفوضية أن فرض حظر على الصادرات من الاتحاد الأوروبي، لا يعني تلقائياً توقف دول العالم الثالث عن استخدامها؛ "بل قد يستمرون في استيرادها من أماكن أخرى. ولذلك فإن إقناع هذه البلدان بعدم استخدام مثل هذه المبيدات الحشرية يظل أمراً بالغ الأهمية".
فخ اتفاقية روتردام
"الهـدف مـن هـذه الاتفاقية هـو تشجيع المشـاركة في المسؤولية وفي الجهود التعاونية فيما بين الأطراف في الاتجار الدولي بمواد كيميائية خطرة معينة بغية حماية صحة البشر والبيئة من الأضرار المحتملة"، وفق اتفاقية روتردام.
بحسب وكالة الكيمياء الأوروبية، تنظم لائحة الموافقة المسبقة التي دخلت حيز التنفيذ في آذار/مارس 2014، تجارة بعض المواد الكيميائية الخطرة المحظورة أو المقيدة بشدة في الاتحاد الأوروبي. وتفرض التزامات على الشركات التي ترغب في تصدير هذه المواد الكيميائية إلى دول خارج الاتحاد الأوروبي أو استيرادها إلى داخله.
كما تُعدّ الموافقة المسبقة (PIC) تنفيذاً لاتفاقية روتردام داخل الاتحاد الأوروبي، وهي تعمل على تعزيز المسؤولية المشتركة والتعاون في التجارة الدولية للمواد الكيميائية الخطرة. كما تحمي صحة الإنسان والبيئة من خلال تزويد البلدان المستوردة بالمعلومات حول كيفية تخزين المواد الكيميائية الخطرة، ونقلها واستخدامها والتخلص منها بشكل آمن، وفق موقع الاتفاقية على الإنترنت.
قبل شحن مبيداتهم إلى الخارج، يتعيّن على المُصدرين المقيمين في إحدى دول الاتحاد الأوروبي إخطار السلطة الوطنية -التي تقوم بعد ذلك بإبلاغ وكالة الكيمياء الأوروبية- بالكميات المراد تصديرها. وإخطارات التصدير هي البيانات العامة التي توضح حجم التجارة الدولية في هذه المواد الكيميائية المحظورة، وذلك بحسب قواعد التصدير الأوروبية.
يشير باسكوت تونكاك، مقرر الأمم المتحدة السابق المعني بحقوق الإنسان والمواد والنفايات الخطرة، إلى أن اتفاقية روتردام تحولت إلى "درع" تستخدمه الشركات والدول، ويرى أن هذه الاتفاقية لم تعمل كما كان من المفترض لأكثر من 15 عاماً.
وحينما تُلقى الكرة في ملعب الدول المستوردة لاتخاذ قرارات بحظر أو استيراد المبيدات الممنوعة في أوروبا، تسمح غالباً (ومنها فلسطين) بدخولها، لأن المعايير مختلفة بين الدول المصدرة والمستوردة. وهو ما أشارت إليه دعاء عبد الله، وهي عضوة اللجنة العلمية، سلطة جودة البيئة الفلسطينية، بالقول: "حسب اتفاقية روتردام، وصلتني مؤخراً إشعارات لإدخال عشرة مبيدات، وهي مسجلة في فلسطين"، مشيرة إلى هذه المبيدات تحت الدراسة حالياً لاتخاذ قرارات بشأنها.
بحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة يعاني عامل إلى ثلاثة عمال زراعيين من كل مئة في جميع أنحاء العالم من التسمم الحاد بمبيدات الآفات، وغالباً ما يكون المراهقون هم الضحايا.
وبشأن السماح بدخول مبيدات محظورة أوروبياً إلى الضفة الغربية، تقول عبد الله: "ليس بالضرورة أن كل مبيد محظور أوروبياً، يُمنع محلياً، فالمعايير الصحية والبيئية مختلفة، وهل البديل متوفر؟"
ويتشارك صوالحة الرأي مع عبد الله في جزئية اختلاف المعايير بين أوروبا وفلسطين، يقول: "هناك كثير من المبيدات الممنوعة في أوروبا لأسباب لا تنطبق علينا، وأنا غير مهتم بها... تُمنع لتأثيرها في المسطحات والأحياء المائية، ونحن لا توجد لدينا بحيرات وأنهار وجداول، فلماذا أمنعها عندي... في الضفة لا توجد بحار ولا أسماك حتى أخاف عليها".
في المقابل، يصف المهندس الزراعي الفلسطيني سعد داغر المتخصص بالزراعة البيئية، تلك المبررات بـ "العقيمة"، ويبدى استغرابه من القول إن المنع في أوروبا يأتي بسبب اختلاف المناخ: "غريب ومثير، وكأنّ مناخ بلادنا يجعل تلك المبيدات أقل خطورة على الصحة والبيئة من مناخ أوروبا".
وبحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة يعاني عامل إلى ثلاثة عمال زراعيين من كل مئة عامل في جميع أنحاء العالم من التسمم الحاد بمبيدات الآفات، وغالباً ما يكون المراهقون هم الضحايا، وفقاً لما نشر في تقرير التّسمم بمبيدات الآفات لدى الأطفال لعام 2004.
أباطرة المبيدات
في أيار/مايو 2020، أطلق الاتحاد الأوروبي استراتيجية "من المزرعة إلى الشوكة" (F2F)، التي تحدد الخطوط العريضة نحو الالتزام بتعزيز التحول العالمي إلى النظم الغذائية المستدامة -ليس فقط داخل حدودها، ولكن أيضاً في الخارج- بهدف الحفاظ على طعام صحي للمواطن الأوروبي في المقام الأول، مع عدم الاكتراث بتصدير المبيدات الممنوعة إلى الدول الفقيرة.
لكنّ شركات المبيدات عملت من خلال تجمع كروب لايف (يضم كبرى شركات المبيدات) على الترويج للآثار الوخيمة لهذه الاستراتيجية. ويقول لورنت غابرييل، الباحث المتخصص في شؤون الزراعة والغذاء: "إنهم يعتمدون على الدراسة المقدمة والممولة من هذه الشركات، التي لا تهتم بإظهار أيّ مشكلة، ولهذا السبب أيضاً لا تزال هناك مبيدات سامة كثيرة في الأسواق الأوروبية".
وعلى الرغم من التنافس بين كبرى شركات الكيماويات الزراعية مثل "باير" و"باسف" و"كورتيفا" و"سينجينتا" و"FMC"، فإنها تتعاون فيما بينها لتكثيف جهود الضغط الخاصة بها.
وبحسب تونكاك، فهذه الشركات تمتلك أدوات للضغط: "إنه لوبي قوي… ليس هناك شك، ونتيجة لذلك، أصبحت صناعة الكيماويات الزراعية مربحة وقوية بشكل لا يصدق".
من جهتها، تقول ميشيلا ريفاسي، عضوة البرلمان الأوروبي عن حزب الخضر الفرنسي (EFA)، إن لوبي المبيدات يتحايل على القانون، وهو بصدد تصنيع منتجاته خارج أوروبا وبيعها لدول خارج الاتحاد: "هناك دائماً طرق ملتوية يستخدمها لوبي المبيدات، فهم يقولون لسنا نحن، بل حكومات تلك الدول (المستوردة) هي التي توافق على استخدام المبيدات المحظورة".
وبحسب لورنت غابريل، فإن "هذا اللوبي يستخدم الحجة الكلاسيكية، بقوله إن حظر هذه المبيدات سيؤثر في العمالة داخل أوروبا، وسيدمر الصناعة الكيميائية الأوروبية، التي هي بالفعل في وضع صعب بالنظر إلى السياق العالمي؛ ولذا فهي ليست اللحظة المناسبة لخلق عقبات جديدة للصناعة الكيميائية في أوروبا، كما يدّعون".
غسل السموم
تعد كروب لايف إنترناشونال (CropLife International) أداة لأباطرة المبيدات "لغسل أيديهم من آثار سمومهم البيئية والصحية". وعند النظر إلى مجلس إدارة كروب لايف، نجد أن رئيسه هو رئيس شركة باسف، وأما الأعضاء فهم: المدير التنفيذي لشركة FMC، والمدير التنفيذي لشركة سينغنتا، والمدير التنفيذي لكورتيفا، وعضو مجلس الإدارة ورئيس شعبة علوم المحاصيل لشركة باير، والمسؤول التنفيذي والإداري لشركة Sumitomo Chemical Co اليابانية.
يشير تقرير لمؤسسة كروب لايف إنترناشونال إلى ضرورة عدم رفع مبيدات الآفات شديدة الخطورة مباشرة من السوق. وجاء فيه: "بصرف النظر عن أضرار هذه المبيدات، إلا أنها موجودة، وتُستخدم لأنها أداة مهمة تُقلل من خسائر المحاصيل، وتدعم سبل عيش المزارعين".
ويوصي التقرير باستخدام هذه المبيدات في حال عدم وجود بديل قابل للتطبيق؛ لأن المزارعين بدونها سيكونون أقل قدرة على إنتاج ما يكفي من الغذاء لنمو السّكان، وأقل احتمالاً للحصول على دخل كافٍ لدعم عائلاتهم.
ويرى باسكوت تونكاك أن هذا اللوبي يستخدم -بشكل غير عادل- استراتيجية التخويف، قائلاً: "إذا لم يكن لدينا هذه المواد الكيميائية، سنواجه حالة لا تصدق من انعدام الأمن الغذائي، وسنفقد سبل العيش".
تدافع شركات تصنيع المبيدات الأروربية عن تصديرها للدول متوسطة الدخل والفقيرة، بالقول إنه "بصرف النظر عن أضرار هذه المبيدات، إلا أنها موجودة، وتُستخدم لأنها أداة مهمة تُقلل من خسائر المحاصيل، وتدعم سبل عيش المزارعين"
في المقابل، تنفي كروب لايف إنترناشونال على صفحتها أيّ علاقة لها بكونها مصدر مبيدات الآفات شديدة الخطورة في البلدان النامية، وتقول: "يجب الاعتراف بأن أغلبية مبيدات الآفات شديدة الخطورة في العالم النامي، يتمّ إنتاجها وبيعها من قبل شركات ليست أعضاء في CropLife International".
ويرد لورنت غابرييل: "تمكّنا قبل سنوات من إظهار أنهم (كروب لايف) يكسبون الكثير من المال، من خلال بيع تلك المبيدات الخطرة المحظورة، وتقديرنا أنهم يحققون ما بين 25 إلى 40 في المئة من مبيعاتهم من خلال ما يسمى مبيدات الآفات عالية الخطورة ".
تواصلنا مع "كروب لايف" للتعليق على الاتهامات الموجهة إليها؛ لكنّنا لم نتلقَ رداً حتى تاريخ نشر التحقيق.
ما الحل؟
باسكوت تونكاك، مقرر الأمم المتحدة السابق المعني بحقوق الإنسان والمواد والنفايات الخطرة، يشير إلى ضرورة وجود إرادة سياسية: "إذا كان هناك حل لمشكلة تجارة المبيدات الخطرة المربحة فسيكون سياسياً".
أما لورنت غابرييل، الباحث المتخصص في شؤون الزراعة والغذاء، فيحمّل الاتحاد الأوروبي مسؤولية كبيرة عن تغذية الأسواق في جميع أنحاء العالم بتلك المبيدات.
من جانبها، تقول ميشيلا ريفاسي، عضوة البرلمان الأوروبي عن حزب الخضر الفرنسي (EFA)، إن على أوروبا أن تكترث لصحة الناس، سواء في أوروبا أو خارجها، من دون أن تستخدم معايير مزدوجة.
وعلى الجهة الفلسطينية، يرى عضو اللجنة العلمية بالضفة الغربية سامر صوالحة، أن الحل يكمن في استيراد المبيدات فقط من الدول التي لديها نظام تسجيل متطور، واختيار المبيدات الأكثر فعالية والأقل ضرراً، إلى جانب التشديد على توعية المزارعين من خلال وزارة الزراعة.
فيما يقول سلامة شبيب، مدير دائرة المبيدات في وزارة الزراعة، إن اللجنة العلمية بصدد إعداد دليل جديد للمبيدات المسموح بتداولها في الأراضي الفلسطينية، ضمن آلية جديدة تشترط أن تقوم الشركات المستوردة بإحضار شهادة تسجيل المبيد في بلد المنشأ "حتى لا ندخل مبيدات ممنوعة في بلد التصنيع".
ورغم خطورتها، لا تزال أنواع كثيرة من المبيدات المحظورة في أوروبا تجد طريقها إلى بلدان عربية عديدة، عبر نظام قانوني أوروبي، وتشريعات تغض الطرف عمّا يصدَّر إلى الخارج من هذه السموم.
ومع إخفاق تمرير تعديلات على قانون تصدير المبيدات الخطيرة خارج الحدود الأوروبية؛ تستمر شركات المبيدات في حصد مليارات الدولارات على حساب الصحة والبيئة، في وقت لا تتوفر إحصاءات واضحة عن آثار هذه المبيدات في الدول الفقيرة. عن موقع رصيف 22
No comments:
Post a Comment