نحو بيئة نظيفة وجميلة

test

أحدث المقالات

Post Top Ad

Your Ad Spot

Friday, October 11, 2024

في ضرورة العودة للحاكورة المنزلية

 الأراضي المقدسة الخضراء /GHLands


حين أصبحت لقمة الخبز تساوي إهراق حياة وسيل من الدم في قطاع غزة، وحين بات "الأمن الغذائي" منهارا في ظل دمار كل شيء في القطاع، وحين هجروا حتى السمك من البحر، وقصفوا النخيل وبيارات البرتقال ومزارع الثروة الحيوانية والدفيئات، وحين ندفع ثمن تحول الزراعات في قطاع غزة (قبل العدوان الحالي) إلى إنتاج الورد والفراولة بهدف تصديره  إلى أوروبا على حساب القمح والخضار، وحين اندلعت الحرب في ظل "أمن غذائي" هش جدا على المستوى البنيوي، عَمَّقَه الحصار التجويعي والإفقار المبرمج لأهالي القطاع، حين يحدث كل هذا باعتباره كارثة وطنية قائمة ومستمرة بسبب العدوان وبفعل أسباب أخرى كتغلغل ذهنية اقتصاد السوق والاستهلاك لفترة طويلة، لا بد هنا من قرع أجراس الإنذار في الضفة الغربية.

ليست الضفة الغربية بعيدة عن احتمال اجتياح واسع، ولعل ما يجري في شمالها (طولكرم، جنين، طوباس) يشكل تدريبا أوليا لاجتياح يحطم البنية التحتية والموارد الاقتصادية ويهدد بانهيار "الأمن الغذائي" الوطني، بعد أن أصبحت السيادة على الغذاء هي المطلب.

ان احتمال الاجتياح لا يحطم فقط بنيتنا التحتية كعنوان مباشر لجبروت وهمجية الاحتلال، لكنه، وبشكل غير مباشر، يحطم كل الأوهام حول اقتصاد السوق والاستهلاك والتبادل التجاري وتوافر السلع والخدمات بيسر وسهولة. فحتى في ظل البحبوحة لم يحدث هذا، وبالتالي هناك حاجة لاستعادة روح انتفاضة عام 1987، حين انتعشت الحاكورة المنزلية وتعاونيات الأحياء واللجان الشعبية ومواجهة حصار المدن والقرى، بما يوفر كثيرا من الاحتياجات الأساسية، بعيدا عن تغول سوق الاحتلال، ورغم إعلان إسحاق رابين (رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك) بأن كل اللجان الشعبية خارجة عن القانون، لأنه أدرك تماما خطورة هذا الوعي الجديد لمتطلبات الصمود والمقاومة، وهذا الإطار المبتكر للتنظيم الشعبي المبادر.

ورغم أن كثيرا من مظاهر الاستعراض الإعلامي تَغَنَّت بتجربة العودة إلى الإنتاج البيتي، كما في الانتفاضة الأولى، إلا أن القيم الإنتاجية الإيجابية التي أفرزتها التجربة العصيانية الأولية في الانتفاضة لم تترسخ، ولم تشكل درسا يمكن تفهمه واستيعابه وتطويره، كما حصل مع تجربة بيت ساحور العصيانية.

هذه التجارب والمبادرات الشعبية لم يهزمها الاحتلال ببطشه فقط، بل إن ما خالج الانتفاضة الأولى من محاولات استثمار سياسي سريع ومبتذل، وتراجع الفعل الشعبي الواسع، هو الذي أثر بشكل كبير على ضمور التجربة وإحالتها إلى مخزن الذكريات. حيث لم يكن لهذه المبادرة أي جدوى اقتصادية اجتماعية عند القيادة السياسية التي اكتفت بالمظهر الإعلامي لهذه المبادرة، وهو ما أدى الى تراجعها واضمحلالها تماما؛ ومع ذلك، ظلت بقاياها قائمة بفعل إصرار القائمين عليها كأفراد.

والآن نستورد البندورة من تركيا، بينما مزارعنا تنتج كميات كبيرة من هذا المحصول، إلا أن جشع التجار ووسطاء البيع حولوا إنتاجنا إلى طعام للإسرائيليين في دولة الاحتلال، وبات على المواطن متوسط الدخل أن يشتري أردأ الأصناف، في ظل الغلاء الفاحش لهذا المحصول الشعبي. نعم نحن نفكك أزمة دولة الاحتلال الغذائية على حساب قوت يومنا، إذ نعوضهم عن فقدان كثير من المساحات الزراعية التي هجرها مستوطنو غلاف غزة أو أعالي الجليل، وبالتالي نتحمل فحش الغلاء، دون رقيب وطني شعبي أو رسمي.

إذن، فلنتخيل حدوث الاجتياح العسكري الإسرائيلي لعموم الضفة الغربية، في ظل إغلاق المعابر والحواجز ومنع الدخول الى أراضي الضفة، كيف سيكون حالنا؟  لنتخيل غائلة الجوع، وكل ما حولنا يمكن استغلاله لدرء هذه الغائلة، لكننا لم نعد عدتنا للمواجهة منذ البداية أو قبل البداية.

انتبه النازحون المهجرون في قطاع غزة إلى قوتهم الممهورة بالدم، فأخذ بعضهم يزرع حول الخيمة المؤقتة، وحاول بعضهم الآخر أن يستخلص الفائدة من أية عشبة يمكن أن يسد بها جوع صغير يتضور تحت خيمة أو تحت شمس العراء.

فلماذا لا نستبق نحن الأمور (في الضفة الغربية) ونجعل من حدائق منازلنا خابية طعامنا. لماذا لا نعمر الأراضي الموات بين غابات الاسمنت والحجر في المدن، وقد أصبحت أراض بور بسبب تحولها من مصدر إنتاج الى مجرد عقار مطروح للمزايدة في سوق العقارات، فيُقتلع منها شجر الزيتون المعمر لبيعها لمن يسعى لإرضاء رومانسيته الوطنية بشجرة أمام قصره الفاره الخاوي من أي قيم للإنتاج.

هنا يجب أن نتعلم درسين، الأول من الانتفاضة الكبرى عام 1987 ومراجعة أسباب فشل التجربة، وتجاوز ذلك بما يضمن الاستمرارية والترسخ، والثاني ما يعانيه قطاع غزة في ظل الحرب والموت جوعا وفقدان أسباب الحياة البسيطة، ودروس أخرى يجب أن تتعلمها القيادات السياسية وأولئك الذين "يكرزون" بمعمودية التنمية على الورق، وانتظار التمويل الخارجي، لا مبادرة البشر المنتجين.

لقد آن الأوان لتطعيم الموقف السياسي بموقف اجتماعي اقتصادي وطني تتبناه هذه القوى التي ترى في نفسها موجها وقائدا وطليعة للمجتمع؛ فعليها ان تستبق الحدث قبل ان تقع الفأس بالرأس، وان لا تكتفي بحشو رؤوس الشباب بالمواعظ، بل تقديم القدوة العملية، وفي ذلك مكسبا لهم، بعد عزوف الشباب عن العمل العام والنضال الوطني، بفعل هدر طاقتهم في غير موضعها.


زراعة عضوية تتميز بالتنوع والتداخل والاكتفاء الذاتي

ليست الحاكورة البيتية مشروعا مكلفا، ولا تتطلب جهدا كبيرا كي تعطينا ثمارا، وهي عمل يمكن تنفيذه أثناء الفراغ والعطل الأسبوعية، وبأبسط الأدوات والتكاليف على المستوى الفردي.

اما على المستوى الجماعي فان لجان الأحياء قادرة على بناء مشروعها التعاوني بتكاليف بسيطة، وتستطيع تبادل الخبرات والمهارات وربما تبادل وتوزيع الأدوار في الإنتاج، وهذا يحول المبادرات من مبادرات مشتتة الى ظاهرة يمكن أن تترسخ مؤسسيا، وبالتالي خلق وعي جديد في الصمود والمواجهة. وخلال مسار هذه العملية يتم غسل كل أدران الاستهلاكية البغيضة، وخلق قيما تعاضدية تعزز التماسك الاجتماعي وتعمق التضامن الشعبي الذاتي الذي يشكل سورا واقيا ليس من الجوع فحسب، بل من تسلل القيم الانهزامية في الوسط الاجتماعي.

في أريافنا الواسعة، وأمام احتمالات هجمات مليشيات المستوطنين، لا يتطلب الأمر جهدا كبيرا، إنما إعادة الاعتبار لحدائق المنازل والأراضي القريبة منها، وإنشاء تعاونيات الأحياء والتعاونيات العامة، وتخليق نمط جديد من الاكتفاء الذاتي في القرية، بما يحميها من جشع السوق. وبالطبع، مواجهة الاستيطان بإعمار الأرض يتطلب جهدا أكبر من القدرات الفردية أو الأسرية، الا ان مبادرات الناس يمكن ان تحفز الأطر الرسمية والأهلية لتبنيها، وبالتالي تحولها الى حالة مقاومة مباشرة للاستيطان.

كل ذلك يمكن ان يحدث إذا ما تم وعي الأخطار المحدقة، وتوفرت الإرادة المسبقة لتحديها وهزيمتها، وحين لا نعول على اي جهد رسمي، لأن المستوى الرسمي ما زال يعترف بقيود الاتفاقات المفروضة عليه. فالتعويل يفترض أن يكون على بناء أطر جماهيرية قاعدية، ونزول القوى السياسية الى معترك الحياة المباشر، وإعادة التواصل مع شرائح المجتمع، يعلمونه ويتعلمون منه.

عن مجلة آفاق البيئة و التنمية 

No comments:

Post a Comment

لن يترك الفلسطينيون أرضهم أبدًا

 الأراضي المقدسة الخضراء /GHLands على مدار العام الماضي، أسفر العنف الإبادي الإسرائيلي عن مقتل ما يقرب من 42,000 فلسطيني في غزة. وتشير التقد...

Post Top Ad

Your Ad Spot

???????