ما هي العلاقة المعقدة بين النباتات ودرجة الحرارة وتغير المناخ؟

 الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands

لا شك أن أنماط الطقس تؤثر على الفصول، ولكن كيفية استجابة النباتات والحيوانات لهذه التغيرات – وهو المجال الذي يسمى علم الظواهر الجوية – له نفس القدر من الأهمية.

في حين يستطيع خبراء الأرصاد الجوية التنبؤ بدرجات الحرارة قبل أشهر من الآن، فإن التنبؤ بموعد إنبات أوراق النباتات أو أزهارها يظل تحديًا كبيرًا. وإذا أضفنا إلى هذا التغير المناخي، فإن حل اللغز يصبح أكثر صعوبة.

في الثاني من فبراير عام 1887، لجأ سكان مدينة بونكسوتوني في ولاية بنسلفانيا الأمريكية إلى أحد القوارض الكبيرة للتنبؤ بقدوم الربيع، مما يمثل أول يوم رسمي للاحتفال بيوم جرذ الأرض.

وبعد مرور أكثر من 130 عامًا، وفقًا لروب جورالنيك، أمين قسم معلومات التنوع البيولوجي في متحف فلوريدا للتاريخ الطبيعي، لم يتم إحراز تقدمًا كبيرًا في التنبؤ بالتغيرات الموسمية.

وقال جورالنيك “لا يمكننا إصدار توقعات جيدة حول ما إذا كان الربيع سيصل مبكرًا أو متأخرًا في العام المقبل بنفس الكفاءة التي نستطيع بها إصدار توقعات حول الطقس”.

ومع ذلك، تقدم دراسة جديدة نشرت في مجلة Communications Earth & Environment تقدما واعدا.

ومن خلال تحسين الأساليب الحالية ودمج المعدل الذي ترتفع به درجات الحرارة في الربيع، تتنبأ الدراسة بدقة بكيفية تحول الدورات الموسمية على مدى السنوات المائة والخمسين الماضية.

توزيع التقديرات الظاهراتية لظهور الأوراق وبداية الإزهار للأنواع النباتية التاريخية والمعاصرة

تزدهر النباتات مبكرًا في المناخ الدافئ

وقد جاء هذا الاكتشاف بعد أن أعاد الباحثون اكتشاف تقرير منسي يعود تاريخه إلى القرن التاسع عشر ويحتوي على آلاف الملاحظات الفينولوجية في مختلف أنحاء شرق الولايات المتحدة.

وقد وثق هذا التقرير- وهو أقدم مشروع علمي للمواطنين نظمته مؤسسة سميثسونيان – متى أصبحت النباتات والحيوانات نشطة في مختلف المناطق الممتدة من ميشيجان إلى فلوريدا.

عثرت تيريزا كريمينز، مديرة الشبكة الوطنية الأمريكية لعلم الظواهر الجوية والمؤلفة المشاركة للدراسة، على التقرير أثناء بحثها لفصل في كتاب.

كما قال كرمينز “لقد قمت باستخراج هذه الوثيقة القديمة وأدركت أنها تحتوي على بيانات حقيقية، أما معظم التقارير الأخرى التي تمت الإشارة إليها فكانت مجرد ملخصات”.

استخدم الفريق هذه السجلات التاريخية كخط أساس، وبمقارنتها بالملاحظات الحديثة، اكتشفوا تحولات مذهلة.

وأوضح كريمنز، أن “جميع الأنواع الثمانية عشر تقدمت في نمو أوراقها وتطور ظاهرة الإزهار، وفي المتوسط، يحدث ذلك قبل ثلاثة أسابيع من الموعد الذي كان يحدث فيه في الماضي. وهناك بعض الأنواع التي تزهر قبل شهر واحد”.

وتؤكد النتائج ما اشتبه فيه العلماء: فقد أدى الاحتباس الحراري العالمي إلى حلول فصل الربيع في وقت أبكر وطول فصل الصيف، ومع ذلك فإن استخدام الدراسة لبيانات تاريخية على مدى فترة زمنية طويلة أمر نادر، مما يجعل النتائج مقنعة بشكل خاص.

تتغير بعض المناطق بشكل أسرع من غيرها

ومن المثير للاهتمام أن جميع مناطق الولايات المتحدة لم تشهد نفس التحولات، فقد تقدم علم الظواهر الجوية في الشمال الشرقي أكثر كثيراً من الجنوب الشرقي، وهو ما يسلط الضوء على الاختلافات في معدل التغير عبر خطوط العرض.

تركز النماذج التقليدية المستخدمة للتنبؤ بنشاط النبات على متغيرين رئيسيين: موقع النبات وكمية الطقس الدافئ اللازمة لنموه، وفي حين تعمل هذه النماذج على أنواع محددة في مناطق محلية، فإنها تكافح لتفسير الاتجاهات الأوسع عبر النظم البيئية المتنوعة.

كما قال المؤلف المشارك ليندسي كامبل، الأستاذ المساعد في مختبر الحشرات الطبية بجامعة فلوريدا “لا يوجد فقط تباين بين الأنواع، بل هناك تباين عبر خطوط العرض في معدل الانحباس الحراري العالمي. المناخ يسخن بشكل أسرع عند خطوط العرض الأعلى”.

وقد تؤدي هذه التعقيدات إلى أنماط غير متوقعة، على سبيل المثال، قد تتفوق أشجار القيقب الأحمر، التي تزهر عادة في وقت مبكر من الربيع، على أشجار الأزاليات الوردية ــ التي تزهر عادة في وقت متأخر ــ إذا نمت في منطقة ترتفع فيها درجات الحرارة بسرعة.

مخططات التأثير للنموذج الشامل الذي يوضح متوسط ​​درجة الحرارة في الربيع

العامل المفقود: سرعة الاحترار

ولحل هذه الألغاز، اشتبه جورالنيك في عامل تم تجاهله: المعدل الذي ترتفع به درجات الحرارة في الربيع، والذي يُسمى أيضًا “سرعة الاحترار” .

على سبيل المثال، ترتفع درجة حرارة المناطق القريبة من المسطحات المائية الكبيرة ببطء لأن الماء يحتفظ بالحرارة لفترة أطول من الهواء، وتميل مثل هذه المناطق إلى تجربة ارتفاع تدريجي في درجة الحرارة وشتاء أكثر اعتدالاً.

لاختبار هذه الفكرة، قامت ميكايلا كيز وكارولين ديفيس، وهما متدربتان في المتحف، بتحويل البيانات التاريخية لمتحف سميثسونيان إلى صيغة رقمية.

كما قامت المؤلفة المشاركة إيرين جرادي، وهي طالبة دراسات عليا في جامعة فلوريدا، بتجميع الملاحظات الحديثة من منصات العلوم المدنية مثل iNaturalist وشبكة علم الظواهر الطبيعية الوطنية.

وبمجرد أن أجرى الفريق حساباته، أصبحت النتائج واضحة:

إذ أدت إضافة سرعة الاحترار إلى تحسين دقة توقعاتهم بشكل كبير، كما قدمت تفسيرات لبعض الحالات الشاذة مثل النباتات المتأخرة في الإزهار والتي تزهر قبل النباتات المبكرة في ظل ظروف معينة.

رقصة معقدة بين النباتات وتغير المناخ

هذه النتائج لها آثار مهمة على الحفاظ على البيئة، فمع استمرار ارتفاع درجات الحرارة العالمية، لا تتغير دورات الأنواع الموسمية فحسب، بل تتغير أيضًا أماكن إقامتها. وبالنسبة لخبراء الحفاظ على البيئة، فإن القدرة على التنبؤ بهذه التغييرات أمر حيوي لحماية النظم البيئية.

كما قال جورالنيك “لقد كنت دائمًا متشككًا بشأن ما إذا كنا سنكون قادرين على التنبؤ بمظهر العالم في المستقبل القريب، لكنني أعتقد أننا نتحسن في ذلك مع تبني وجهة نظر أكثر شمولية ومع تحديد العمليات الأساسية”، “إن القيام بذلك يساعدنا في إدارة التنوع المتبقي لدينا”.

ومن خلال الجمع بين الملاحظات التاريخية والبيانات الحديثة والنماذج المحسنة، يقترب العلماء من فهم العلاقة المعقدة بين النباتات ودرجة الحرارة وتغير المناخ .

ومع ارتفاع درجة حرارة الكوكب، فإن أدوات مثل هذه ستكون حاسمة لتوقع وتخفيف آثار العالم المتغير.