نحو بيئة نظيفة وجميلة

test

أحدث المقالات

Post Top Ad

Your Ad Spot

Thursday, January 16, 2025

رحلة قديمة الى البحر الميت

 الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands



منتصف القرن التاسع عشر، وفي ذلك الوقت كان البحر الميت أقل المسطحات المائية أهمية من ناحية استراتيجية، رغم تلك الهالة الاسطورية  التي صاحبته عبر التاريخ.

في الثامن من مايو 1847، بعيد انتهاء الحرب الأمريكية – المكسيكية  تقدم ضابط البحرية الامريكية وليم فرانسيس لينش  بطلب إلى  مسؤول البحرية الامريكية جون واي ماسون، للحصول على إذن للإبحار نحو الشرق وتحديدا إلى البحر الميت بهدف استكشافه.

وبعد أن تم دراسة طلبه لبعض الوقت، تلقى لينش في 31 يوليو/تموز إشعارا إيجابيا بالموافقة على قيامه برحلة البحر الميت، مع أمر ببدء الاستعدادات اللازمة مثل تجهيز السفن واختيار البحارة .

لذلك ينظر الى بعثة لينش كواحدة من أكثر البعثات العالمية الحديثة التي دشنت مرحلة جديدة من مراحل اكتشاف البحر الميت، لكن لا يخفى على من يقرأ مذكراته عن تلك الرحلة  أن الرحلة الامريكية للبحر الميت لم تكن معزولة عن رغبات ودوافع اخرى؛ فالعلم والدين والأساطير والتاريخ كانت دوافع في صميم أهداف هذه الرحلة التي تعتبر من أكثر الرحلات الاستكشافية اثارة. 

حتى اليوم مازال يأخذ المحررون والكتاب الجغرافيون وغيرهم من المهتمين بعلوم المسطحات المائية رحلة لنش الى البحر الميت بعين الاعتبار، باعتبارها واحدة من الرحلات الاستكشافية التي وضعت أسس علمية حديثة للكشف عن بعض ملامحه، فهي أول رحلة استكشافية ناجحة لقاع العالم تكللت برسم خريطة البحر المالح.

يعتقد بعض المؤرخين أن أول من حاول الإبحار في في البحر الميت في العصر الحديث هو الايرلندي كوستيجان، في عام 1835، لكن تلك الرحلة الاستكشافية فشلت بعد ان القى احد مساعديه إمدادات مياه الشرب لتخفيف حمولة القارب، ما ادى الى اصابته بالإرهاق والمرض.

حتى اليوم ما زال يحتفى برحلة لينش كواحدة من مهمات المارينز الامريكي الخارجية المهمة. 

سميت تلك الرحلة احيانا  بالحملة الأميركية إلى نهر الأردن والبحر الميت  واحيانا اخرى بحملة لينش استكشاف البحر الميت.

في 26 نوفمبر 1847  بدأت رحلة لينش وبحارته من نيويورك مرورا بعدة محطات وصولا إلى القسطنطينية عاصمة الخلافة العثمانية آنذاك قبل الانطلاق مرة الى سواحل بلاد الشام على البحر المتوسط.

يقول لينش في مذكراته “الجمعة 26 نوفمبر 1847، في الساعة العاشرة صباحا، رفعنا المرساة، وفي الساعة 10:15، مع هبوب نسيم منعش من الغرب والشمال الغربي، وتحت ضغط الأشرعة، وقفنا في خليج نيويورك”.

“من حولنا، كانت المياه المتلاطمة متقلبة(..)أمامنا انفتح المضيق على خليج راريتان، ومن ثم توسع إلى المحيط الواسع المهيب”.

مرت رحلة لينش بالأراضي التركية وعبرت البسفور واستقرت عدة أيام في عاصمة الدولة العثمانية وابحرت باتجاه بيروت ثم صوب الشواطئ الفلسطينية، و في الرابع من أبريل من العام التالي غادرت مجموعة البحارة بقيادة لينش عكا التي وصلتها من بيروت نحو طبريا، برفقتها أحد عشر جملا وستة عشر حصانا وبغل واحد.

يقول لينش” سرعان ما رأيت في الأسفل، في عمق الهاوية الخضراء المنحدرة، بحر الجليل، يتلألأ تحت أشعة الشمس! وكأنه مرآة، متجسدا في تلاله المستديرة الجميلة، ولكن الخالية من الأشجار”. 

وأضاف” لقد تردد صدى بشرى الخلاص لأول مرة على منحدراتها، ومن قراها اجتمع أول الرسل للخدمة. إن مياهها الهادئة وشاطئها الهادئ؛ والمدن المدمرة التي كانت مزدحمة بالبشر ذات يوم، والتلال الدائمة، من صنع يد الله،  كل هذا يحدد ويشهد على المعجزات الرائعة التي حدثت هنا.”

“بعد أن سلكنا الطريق الوعرة، نزلنا إلى المدينة، وجلسنا على حافة البحيرة. طبرية هي مدينة محاطة بأسوار ضخمة، ولكنها تحولت إلى أنقاض بسبب الزلزال الذي دمر العديد من سكانها في عام 1837. لم يكن هناك بيت ولا شجرة خارج الأسوار، ومع ذلك كانت هناك حقول مزروعة خلفها وبجوارها”.

من هناك بدأت الرحلة الى البحر الميت عبر نهر الأردن الذي يصب في البحر الميت ويغذيه بالماء بشكل رئيسي .

قسم لنش البعثة الاستكشافية الى فريقين: فريق مائي بقيادته يستخدم القوارب على طول نهر الأردن،  وفريق بري يسير بمحاذاة نهر الأردن يحرس الفريق المائي من الهجمات، ويعد المخيمات الليلية على ضفة النهر.

غادر الفريقان البري والنهري طبريا في العاشر من إبريل/نيسان، ودخلت القوارب نهر الأردن في وقت متأخر من بعد الظهر، وبعد ساعة من مسيرها في مجرى النهر اصطدمت بمنحدرات وصخور، الا ان ذلك لم يوقف مسير الرحلة.    

استغرق المسير المائي في نهر الأردن مدة ثمانية أيام.

 فقد سلك المستكشفون مسارات متعرجة، ومروا عبر منحدرات وصفها لينش بالمخيفة، لذا كان على اعضاء الفريق أن يفتحوا الطريق مرات عديدة أمامهم  وينزلقوا عبر منحدرات مخيفة.

عندما وصلوا الى المكان الذي يعتقد أن المسيح عمد فيه، وهي منطقة شرق اريحا  شاهد فريق المستكشفين نحو 8000 حاج من القدس يصلون ويغطسون في “النهر المقدس”.

 هذا تقليد مسيحي سنوي.

لقد وصلت الرحلة الان الى مبتغاها. 

ففي ظهيرة يوم الثامن عشر من نيسان دخلت القوارب البحر الميت، وسرعان ما هبت ريح شمالية غربية منعشة، والتي تحولت تدريجيا إلى عاصفة  في بحر هائج. 

في ذلك الوقت احس الفريق بطعم مرارة المياه، وكثافة الأملاح فيها. لقد ترك الرذاذ المتبخر طبقة سميكة من الملح على الملابس والأيدي والوجوه.

وفي ذلك اليوم استمر هبوب الرياح بشدة ساعة ونصف كما يقدر لينش مما منع القوارب من احراز اي تقدم وعرضها لمخاطر الغرق بشكل جدي، وهو ما دفع الفريق إلى تخفيف حمولتها فألقوا بعض المياه العذبة التي كانت على متنها في البحر.

وبعد حوالي خمس ساعات من دخول البحر، تم سحب القوارب إلى الشاطيء .

في العشرين من إبريل، بدأ فريق لينش بعملية مسح مباشر وقطري للبحر الميت عبر الشاطئ الشرقي. 

وفي اليوم التالي، نُقِل المخيم إلى الجنوب مسافة عشرة أميال تقريبا، وبدأت عملية الإبحار البطيئة وفحص الشواطئ ومسح الأعماق. 

كما تم البدء بتنفيذ الرسومات الطبوغرافية، وتسجيل أصناف وسلوك الحيوانات والطيور، وجمع عينات نباتية وجيولوجية.

 وقد أطلق على هذا المخيم، الذي كان من المقرر أن يكون مستودعا أثناء وجود لينش في البحر، اسم “مخيم واشنطن”، على اسم جورج واشنطن، أول رئيس للولايات المتحدة.

في اليوم السادس والعشرين، دارت المجموعة حول الشاطئ الجنوبي، وأخذت تقيس المياه وترسم المخططات، وبقدر ما هو معروف، كانت هذه أول قوارب حديثة تدخل هذا القسم من البحر. 

وبالنظر إلى الإنجازات التي حققتها البعثة الاستكشافية، يقول لينش في مذكراته، أنه تم إنجاز العمل على أكمل وجهه. فقد تمكنت المجموعة، في غضون اثنين وعشرين يوماً، حسب ما اعتقد لينش وفريقه من “سبر أغوار البحر بعناية، وتحديد موقعه الجغرافي، وقياس التضاريس الدقيقة لشواطئه، وتحديد درجة حرارة وعرض وعمق وسرعة روافده، وجمع عينات من كل نوع، وتسجيل الرياح والتيارات وتغيرات الطقس، وجميع الظواهر الجوية”.

في نهاية رحلته افترض لينش ان ” قاع هذا البحر يتألف من سهلين مغمورين، سهل مرتفع وسهل منخفض؛ ويبلغ متوسط ​​عمق السهل الأكثر صلابة ثلاثة عشر قدما، بينما يبلغ عمق السهل الأخير حوالي ألف وثلاثمائة قدم تحت السطح. ويمر عبر السهل الشمالي، وهو الأكبر والأعمق، في خط يتوافق مع قاع نهر الأردن”.

هكذا وصف لينش الليلة الاخيرة في البحر الميت بعد 22 يوما من الاستكشاف” في منتصف الليل كان المشهد هو نفسه الذي رأيناه في عين الفشخة، الليلة الأولى لوصولنا، باستثناء أن الأرض كانت أكثر صلابة والطقس أكثر دفئا؛ لكن البحر كان يمثل مظهرا غير طبيعي مماثل”. 

“كانت هناك أيضا ميزة جديدة تنبئ بتغيير قادم؛ كانت هناك جمال مستلقية، تم إحضارها، استعدادا لحركة الغد. حتى الآن، كنت أرى هذا الحيوان دائما مستلقيا على ركبتيه، ولكن في هذه المناسبة كان كل من لا يجتر مستلقيا. انقضى الليل بهدوء، وهبت ريح خفيفة من الشمال….”

في عام 1851، منحت جمعية الجغرافيين الفرنسية لينش إحدى ميدالياتها الفضية تقديراً لجهوده في استكشاف وادي الأردن والبحر الميت. كما اعترفت الجمعية الجغرافية الملكية (البريطانية) في تقاريرها بقيمة مسح لينش للبحر الميت. 

* تم  إعداد هذه المقالة اعتماداً على ما كتبه ضابط البحرية الامريكية وليم فرانسيس لنيش في  مذكراته” بعثة مشاة البحرية الأمريكيّة (المارينز) لاستكشاف نهر الأردن والبحر الميت 1848 “

No comments:

Post a Comment

وردة القيامة في أريحا: رمز الانبعاث في قاع العالم

 الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands قد يقضي الباحث عنها عقودا طويلة في النظر الى تفاصيل الارض القاحلة لايجادها لكنه لا ينجح، وقد تختفي هي لسن...

Post Top Ad

Your Ad Spot

???????