الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands
قبل عشرة أيام، تلقى محب الطيور سائد الشوملي اتصالا من صديق يخبره عن طائر غريب يتواجد في حديقة منزله في مدينة بيت ساحور بمحاطة بيت لحم جنوب الضفة الغربية.
بعد أن فحص الشوملي ذلك الطائر، تبين أنه أحد فراخ “البومة النسارية” والمعروف شعبيا باسم “الهوة” يقدر عمره بعام ونصف، وصل الى تلك الحديقة.
وبعدما أجريت للطائر الفحوصات الطبية، تبين أنه في حالة صحية جيدة، لكنه يعاني من إصابته ببعض الطفيليات التي أثرت بشكل مباشرة على قدرته على التحليق.
بعد أيام جرت أول محاولة لإطلاق البوم إلى بيئته، وعندما أطلق الشوملي وهو يشغل المدير التنفيذي لجمعية فلسطين البيئية والتنمية المستدامة “الهوة” ، حلقت فقط نحو 400 مترا ثم هوت إلى الأرض مرة اخرى.
يقول الشوملي، “رغم أن صحة الطائر جيدة، لكنه تعرض لهجوم كبير من قطعان الغراب المقنع لحظة إطلاقه”.
لكن الشوملي لا يعتبر الغراب عدوا لدودا للبوم، إنما تصادف إطلاقه حسب قوله في مكان تتجمع فيه تلك الغربان، وهذا ما دفعها الى مهاجمتها وإسقاطه أرضا.
والغراب المقنع طائر يعيش في مجموعات، وكانت الغلبة في العدد له امام الطائر المعاد الى البيئة مرة أخرى.
لكن لم يفقد البوم الفرصة للنجاة والعودة إلى أحضان الطبيعة.
كان من المتوقع أن يعاد إطلاق البوم بداية الأسبوع الحالي بعد إعادة الفحوصات الطبية له، وتقديم رعاية صحية إضافية .
وفي حال كتب للطائر النجاة، فهذا يعني بشكل علمي أن يعيش لخمسين عاما قادمة.
لكن بعد معاينته للمرة الثانية، فضل الشوملي أن يؤجل إعادتها إلى الطبيعة لأيام أخرى، فالطائر ما زال هزيلا لا يقوى على التحليق، ولا الاصطياد.
وبناء على هذا، سيلجأ الشوملي والفريق العامل معه إلى وضعه في قفص كبير يحوي حماما بريا ليكون طعاما له.
إذا، لماذا لجأ الطاقم إلى هذه الحيلة؟
الجواب يحمل طابع الغرابة.
عندما أراد الفريق المهتم بهذا الطائر، إعادته إلى الطبيعة كان هادئا، وهذه كما قال الشوملي، ليست من خصائص البوم.
وبالرجوع إلى خصائصه كونه أحد الطيور المفترسة والشرسة، تقرر وضعه في قفص يحوي على الحمام البري، لمراقبة قدرته على اصطيادها.
والبوم بشكل عام طائر جميل المنظر، يتراوح وزنه بين 2-5 كيلوغرامات، حجم الأنثى أكبر من حجم الذكر، وهو من الطيور المقيمة والمفرّخة في فلسطين، وهو طائر مفترس ليلي، لذلك ينظر إليه المهتمون بأنها طير مفيدة في الحفاظ على التوازن البيئي.
لكن كل هذه الخصائص الجيدة، لم تشفع لهذا الطائر شعبيا من طغيان النظرة السلبية تجاهه، إذ أن الحكايات المتوارثة عنه تعطيه سمعة غير إيجابية.
يعمد المختصون في تأهيل الطيور إلى اتباع خطوات دقيقة، فهم في معظم الأوقات إلى يقدمون الطعام لها دون أن يعرضوا أنفسهم أمامها.
ويعزي الشوملي ذلك، إلى عدم إعطاء الطائر فرصة ألفة الإنسان، ليظل سلوكه مرتبطا بالطبيعة.
وفكرة إعادة تأهيل أنواع من الطيور، وإطلاقها إلى الطبيعة مرة أخرى، أمر يراه مهتمون في البيئة خطوة في الاتجاه الصحيح لحفظ التوازن البيئي.
تعتبر القوارض والحشرات والزواحف، وفراخ بعض أنواع الطيور، وجبات مفضلة لطائر البوم.
تعيش البومة النسارية بشكل منفرد، حجمها قريب من حجم النسر، لذلك يطلق عليها اسم البومة النسارية.
يقول مؤسس ومدير متحف فلسطين للتاريخ الطبيعي ومعهد فلسطين للتنوع الحيوي والاستدامة البروفيسور مازن قمصية، “تنتشر البومة النسارية في كل فلسطين، وهي طائر غير مهدد بالانقراض”.
يتوقع الشوملي أن الطائر الذي أبلغه عنه أحد أصدقائه هو ذكر، لكن مازال الوقت مبكرا لتحديد جنسه.
ويبقى تساؤل يبحث عن إجابة له، كيف يحدث التأهيل لطائر ما؟!.
بالنسبة للشوملي فإن الأمر سهل، لكنه دقيق.
فالطائر يحتاج إلى الفحوصات الطبية للتأكد من سلامته الجسدية، ثم تهيئته للعودة مرة أخرى إلى الطبيعة.
بشكل عام، يقول قمصية “في فلسطين التاريخية عشرة أنواع من البوم، بينها البوم السمكية، التي انقرضت قبل حوالي قرن من الزمن”.
ويسعى المهتمون بالطيور والحياة البرية إلى تدارك أي طائر وإعادته إلى الطبيعة.
ورغم أن البوم النساري ليس مرشحا على المدى القريب أن يدخل دائرة الانقراض، لكن إعادته إلى الطبيعة أمر مهم.
يكرر الشوملي: “طائر مفيد للتوازن البيئي”.
ويكرر قمصية الكلام ذاته عندما قال لــ”سوسنة”، إن البوم النساري يتغذى على القوارض والحشرات والزواحف”.
في الأماكن الصخرية، والبيوت المهجورة، تعيش طيور البوم النساري في أعشاش، تضع في كل عام بيضة أو اثنتين، ويبدأ التفقيس مع بداية الربيع.
رغم أن تلك النظرة التشاؤمية في الأوساط الشعبية الفلسطينية تجاه اليوم، الان قمصية يرى عكس ذلك تماما.
ويقول: “هي فأل خير(..)، يكفي أنها تحافظ على التوازن البيئي”.
وحتى هذه الأيام لا يمكن الجزم بالعدد التقديري لطائر البوم النساري. لكن قمصية قال إن منطقة الصيد للطائر هي كيلو متر مربع، وبهذه المعادلة يمكن أن يصل عدد البوم النساري بشكل تقديري الى عشرة آلاف طائر.
No comments:
Post a Comment