الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands
كشف سجل حديث، يمتد لـ1600 عام عن هطول الأمطار في شمال شبه الجزيرة العربية، أن المنطقة كانت أكثر رطوبة بكثير في الماضي مقارنة بالوقت الحاضر، حيث شهدت بعض الفترات معدلات أمطار تصل إلى 5 أضعاف المستويات الحالية.
وبالاعتماد على تحليلات عينات رسوبية مأخوذة من بحيرة مالحة عميقة في خليج العقبة، وجد باحثون أن العصر الحديث أكثر جفافا بمقدار 2.5 مرة من المعدل التاريخي، ما يتحدى الفكرة الشائعة بأن شبه الجزيرة العربية كانت دائما منطقة قاحلة.
كما برز العصر الجليدي الصغير، الذي امتد بين عامي 1400 و1850 ميلادية، كفترة شهدت معدلات أمطار مرتفعة للغاية تفوقت على أيّ مستويات مسجلة في العصر الحالي.
استكشاف الماضي عبر أعماق البحار
وقال سام بوركيس، رئيس قسم علوم الأرض البحرية في كلية روزنستيل بجامعة ميامي بالولايات المتحدة، إن تحليل طبقات الرواسب المحفوظة في البحيرة المالحة التي لا تحتوي على أكسجين، في ظل الظروف القاسية التي تمنع النشاط البيولوجي من التأثير على الترسبات، أظهر أن طبقات الفيضانات بقيت دون تغيير، ما وفّر أرشيفا فريدا لتغيرات الأمطار على مدار أكثر من 1500 عام.
وأضاف بوركيس أن ”هذا الاكتشاف يمنحنا فرصة نادرة لقياس كميات الأمطار السابقة في شبه الجزيرة العربية بدقة عالية، على عكس السجلات المناخية القديمة الأخرى التي تقدم تقديرات نوعية فقط لفترات الجفاف والرطوبة، كما يوفر بيانات فعلية عن معدلات الهطول المطري“.
وكشفت العينات الرسوبية أن الفترة بين عامي 1400 و1550 ميلادية كانت ذروة هطول الأمطار، حيث تجاوزت المستويات الحديثة بمعدل 5 أضعاف.
وتزامن ذلك مع بداية العصر الجليدي الصغير، وهي فترة تميزت بانخفاض درجات الحرارة عبر النصف الشمالي من الكرة الأرضية.
ويُرجح العلماء أن انخفاض النشاط الشمسي والتغيرات في أنماط الدوران الجوي ساهما في زيادة الأمطار فوق شمال شبه الجزيرة العربية خلال تلك الفترة.
وتدعم السجلات التاريخية هذه النتائج، حيث وصف رحالة إغريقي في عام 167 قبل الميلاد مناظر طبيعية خصبة في ما يُعرف اليوم بمنطقة نيوم الصحراوية في السعودية.
كما توثق مصادر من العصر العثماني خلال القرنين الـ16 والـ17 ميلادية شتاءات قاسية وفيضانات مستمرة في الشرق الأوسط، وهي ظروف تتماشى مع البيانات الرسوبية المكتشفة.
دلالات للمستقبل
ومع تفاقم تغير المناخ واحتمالية حدوث أحداث الطقس المتطرفة، فإن شبه الجزيرة العربية قد تشهد عودة إلى ظروف لم نشهدها في العصر الحديث.
وأكد بوركيس أن ”فهم كيفية تقلّب هطول الأمطار في الماضي يسمح لنا بتحسين توقعاتنا للمستقبل، إذ أن هذه الرؤى بالغة الأهمية لإدارة موارد المياه والاستعداد للفيضانات في واحدة من أكثر مناطق العالم جفافا“.
ومع توسّع المدن في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية وزيادة تعرّض البنية الأساسية للطقس المتطرف، يُشدد بوركيس على الحاجة إلى نماذج مناخية محدثة تتضمن تقلبات هطول الأمطار التاريخية.
وفي حين تشهد المنطقة حاليا أشد فتراتها جفافا منذ أكثر من ألف عام، فإن الماضي يُشير إلى أن التحولات المستقبلية قد تجلب تغييرات غير متوقعة، بل ربما كارثية، على المشهد الهيدرولوجي.
المصدر: الجزيرة
No comments:
Post a Comment