الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands
بدأ الاستيطان في الضفة الغربية مع الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، وعدلت إسرائيل المنظومات القانونية، عبر اعتماد عدد من الأوامر العسكرية غير القانونية، التي تشرّع مصادرة أراضي المواطنين الفلسطينيين العامة والخاصة والاستيلاء عليها، بغرض بناء المستعمرات والخدمات الخاصة بها والأغراض الاستيطانية.
واعتمدت جميع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سياسة بناء المستعمرات وتوسيعها في الضفة الغربية، وتقديم الحوافز والتسهيلات لتشجيع هجرة الإسرائيليين إليها. وبعد أن كانت الضفة الغربية خالية تماما من المستعمرات عام 1967، بلغ عددها هناك مع بداية عام 2023 نحو 176 مستوطنة و186 بؤرة استيطانية، يسكنها 726 ألفا و427 مستوطنا.
وشكلت المستعمرات الإسرائيلية ما نسبته 42% من مساحة الضفة الغربية، وتمت السيطرة على 68% من مساحة المنطقة "ج" لمصلحة المستعمرات، وهي منطقة تضم 87% من موارد الضفة الغربية الطبيعية و90% من غاباتها و49% من طرقها.
25 منطقة صناعية
ومنذ عام 1967 وحتى نهاية 2021 انشأت حكومات الاحتلال المتعاقبة على أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية نحو 25 منطقة صناعية استيطانية تضم أكثر من 300 منشأة، 29 منشأة منها خاصة بإنتاج المواد الكيماوية، و15 أخرى لمعالجة النفايات، و6 منها مخصَصة لمعالجة النفايات الخطرة، يتركز معظمها في "مجمع بركان" الصناعي الاستيطاني وسط الضفة الغربية، ومجمع "جيشوري" في شمالها الذي يضم 13 مصنعاً.
وبحسب تقرير لمركز العمل التنموي/ معًا، نهاية عام 2021 كانت تتوزع المشاريع الاستعمارية صناعية الإسرائيلية الضخمة في الضفة على 25 منطقة صناعية استيطانية تضم 29 منشأة خاصة بإنتاج مواد كيماوية سامة ينتج غالبيتها مواد تحوي مخلفات ضارة تلحق أضراراً واضحة على البيئة والصحة.
ووفق المركز تُغرس المستعمرات الصناعية مثل سرطان في أراضي الضفة الغربية لتلتهمها، ويجري استغلالها لاستقطاب الصناعات والشركات للاستثمار، بهدف تعزيز الوجود اليهودي وجذب مزيد من المستوطنين للسكن والعمل في المكان نفسه.
العنصرية البيئية
يصف مصطلح العنصرية البيئية الظلم البيئي في سياق عرقي أو عنصري، تُعرّض بموجبه دول صناعية غنية دولاً نامية فقيرة لنفايات سامة وكيماويات خطرة ناجمة عن الصناعة المتطورة لديها، بالتخلص منها في الدول الفقيرة التي تتراخي فها السياسات البيئية وإجراءات السلامة، نظير مساعدات اقتصادية، أو بسبب سلطة التبعية الاستعمارية.
في عام 2016، أُجريت دراسة بواسطة مجلة البيئة الدولية أثبتت وجود ارتباط بين التعرض طويل الأمد للملوثات والفصل العنصري. وهو ما ينطبق على الحالة الفلسطينية، فالمستعمرات الصناعية المقامة على أراضي الضفة الغربية تمارس أشكال التدمير البيئي كافة، مع غياب تطبيق القانون الدولي.
وتتعدد أنماط التخريب البيئي ضد مُقدرات وموارد الشعب الفلسطيني، التي لم تسلم من كل أشكال الانتهاك والتدمير، والأمثلة على ذلك لا حصر لها، وما يرفضه الاحتلال لمواطنه، لا يراه أمراً ذا بال عندما يرتبط بالفلسطينيين.
ونشرت البعثة المشتركة لتقصي الحقائق برئاسة الجمعية العربية لحماية الطبيعة مناشدة دولية: إيقاف تسميم فلسطين، أكدت فيها أن دولة الاحتلال تُصنِّع وتتاجر بصورة غير مشروعة في المبيدات السامة، وتُسرِّب مياه الصرف الصناعي والمنزلي ونفايات تصنيع المواد الكيميائية الخطرة من المستعمرات الصناعية إلى مزارع الفلسطينيين ومواشيهم ومصادر مياههم، وتتسبب في انتشار البعوض الناقل للأمراض، وزيادة الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي والحساسية والعيون.
وثَّقت المناشدة وجود 50% من المبيدات شديدة الخطورة والتي تحظرها السلطة الفلسطينية مثل إندوسلفان ودوكاتالون (باراكوات)، إذ يُتاجر بها وتُدخل بطرق غير شرعية للأراضي الفلسطينية، حيث ضبطت السلطة خمسة أطنان منها منذ عام 1995 دون أن تستطيع التخلص منها، فيما ترفض دولة الاحتلال استعادتها.
جيشوري: رعب بيئي
ووفق ورقة قدمتها سلطة جودة البيئة خلال المؤتمر الفلسطيني السادس للتوعية والتعليم البيئي (التحديات البيئية الأخطر في فلسطين: الواقع وآليات الحل)، خريف عام 2015، فإن مصانع الموت الإسرائيلية "جيشوري" المسمى الذي تطلقه سلطة جودة البيئة والمؤسسات البيئة والمجتمع المحلي عليها، تعتبر حالة صارخة للاستهداف الإسرائيلي للبيئة، فقد أقيمت غرب طولكرم، وعلى الطريق الواصل بين مدينتي طولكرم والطيبة.
وبعد عام من العمل في قرية تلموند شرق مدينة أم خالد " نتانيا "، والتي احتلتها إسرائيل عام 1948، تم إغلاقها إثر قرار ما تسمى المحكمة العليا الإسرائيلية آنذاك، ونقلت إلى منطقة أخرى بسبب الدعوى القضائية بحقه؛ لما سببته من تلويث للمنطقة. وانتقلت للعمل في أـراضي طولكرم، التي تعود لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية ولمواطنين تم مصادرتها بالقوة. وعام 1989 اتضح حجم الدمار البيئي عبر تحويل معالم الأراضي الزراعية إلى اللون الأبيض، والتأثر صحياً وبيئيًا منها، إذ تبعد عن الأحياء السكنية لطولكرم نحو مئة متر فقط، وتضم أكثر من 12 مصنعًا: "جيشوري"، ومديكسون غاز، وياميت، وتال ايل والسول أور، إضافة إلى وجود مصانع متخصصة بصناعة البطاريات، وطلاء المعادن، والدباغة، والجلود، والورق، والإسفنج" إذ تعمل إذا كانت حركة الرياح من الغرب إلى الشرق؛ لعدم إلحاق الضرر تجاه أراضي عام 1948، وحرصًا على صحة الإسرائيليين!
ويمتلك المصانع رجل أعمال إسرائيلي يدعى إلى بن انسيون كيشوري، وكان يعمل في مجمع تلمود داخل الأراضي المحتلة عام 1948 حتى عام 1983، ولديه العديد من المشاريع الاقتصادية في العالم، ومنذ ذلك الوقت والفعاليات الشعبية المناهضة والمقاومة للمصانع مستمرة على مختلف المستويات.
بينما كشف تقرير ما يسمى مراقب دولة إسرائيل لعام 2011 أنها مقامة على 25 دونما من أراض فلسطينية خاصة، و25 دونما استولت عليها الحكومة " الاسرائيلية" لأغراض عسكرية مؤقتة، وحسب القانون الدولي يُمنع استخدام هذه الأراضي لأهداف أخرى.
وأقيمت نيتساني شالوم عام 1985 بنقل مصانع شركة "كيشت بيرماه" من نتانيا إلى أراضي طولكرم قُرب أحياء المدينة، وعلى مسافة لا تبعد عن 500 متر من مدارس يرتادها أكثر من 11 ألف طفل فلسطيني.
وورد في مقال تُرجم للعربية من موقع همكوم "المنطقة الصناعية نيتساني شالوم":" نشأ تجمع نيتساني شالوم الصناعي علانية وصراحة عبر احتجاز الأراضي واستعباد العمَّال، ليمثّل وجه الاحتلال والبيروقراطية والتمييز العنصري الممنهج، وقد أودى حتى الآن بحياة عدة أشخاص وأضرَّ بصحة آلاف الفلسطينيين، وحظيت هذه المنطقة الصناعية على مدار 30 عاماً باهتمام عالمي، لكن بصورة سلبية مفزعة حول الاستعباد والاستغلال المشين للعمال، وما تسببه من تلوث بيئي للهواء والماء بسبب مجموعة من المواد الكيمائية السامة".
سرطان صامت
تدفع سلطات الاحتلال بمخلفاتها الصناعية الملوّثة نحو الضفّة الغربيّة، وتتعمد إبعادها عن مراكز المدن. ووفق تقرير لمنظمة بتسيلم الإسرائيلية" صنع في البلاد" يذكر أن إسرائيل وضعت تعليمات متراخية حول الحفاظ على البيئة في المناطق الصناعية الواقعة ضمن مستعمرات مقامة في الأراضي المحتلة، وعرضت في تلك المناطق محفِّزات اقتصادية - كامتيازات ضريبيَّة ودعم حكومي أكثر من تلك التي تُقام على أراضي في مناطق الـ48، وهذا جزء من سياسة حكومية تمييزية تجاه المستوطنين تختلف عن السياسة الاقتصادية العامة.
وقد طال التلوث جميع مصادر المياه تقريباً، إذ يؤكد تقرير لمنظمة التعاون والتطور الاقتصادي أن وضع الشواطئ الطبيعية والوديان والأنهر في دولة الاحتلال سيئ للغاية، وهناك مشكلة خطيرة فيما يتصل بمنع تلوث المياه؛ ذلك أن العديد من آبار المياه تعاني التلوث، دون أن توقف دولة الاحتلال تفاقمه.
وقد أغلقت وزارة الصحة الإسرائيلية، في العقد الأخير، عُشر مشاريع ضخ المياه الجوفية بسبب مستويات التلوث المائي المرتفع.
وتخلف المستعمرات الصناعية سُحبًا مشبعة بأول أكسيد الكربون وأكاسيد الكبريت والنيتروجين والأمونيا وكبريتيد الهيدروجين ومذيبات وغازات دفيئة تتسرب من مصانع الاحتلال وتنتشر في سماء المناطق الفلسطينية القريبة وتتسبب بالإصابة بسرطان الرئة بحسب دراسة أجرتها جامعة النجاح تناولت عوامل الخطر المرتبطة بالإصابة بسرطان الرئة في محافظات الضفة الغربية.
ووفق تقرير مركز العمل التنموي، تبيَّن أن ثاني أعلى نسبة للإصابة بسرطان الرئة كانت في طولكرم، وعزت الدراسة ذلك إلى الأبخرة والانبعاثات الصناعية الناتجة عن مصانع جيشوري، عدا عن إحاطة المحافظة بحقول واسعة يزرعها الاحتلال، ولا ندري عن طبيعة المبيدات والمسمِّدات الزراعية التي تُستخدم فيها.
وبحسب تقرير للجزيرة نت بعنوان" عوادم "جيشوري" موت بطيء يستهدف طولكرم" فإنه في الأيام التي يكون فيها اتجاه الريح شرقياً، فإن مصانع جيشوري تتوقف عن العمل، حتى لا ينسحب الدخان مع الرياح النشطة نحو المستعمرات والمدن الإسرائيلية.
ووفق تقييم بيئي نشره معهد القدس للدراسات، قورنت فيه دولة الاحتلال مع دول منظمة التعاون والتطور الاقتصادي، وتبيَّن أن كمية انبعاثات الغازات الدفيئة للفرد الإسرائيلي بلغ 11.8 طناً للفرد سنويًا، وهو ما يزيد عن متوسط الانبعاث للفرد في الدول الأوروبية والذي يبلغ 10.5 طن.
كما أن كمية النفايات الناتجة في "إسرائيل" ارتفعت بنسبة 15% في العقد الأخير؛ إذ تصل معظمها إلى مكبَّات النفايات ولا يُعاد تدويرها أو استعمالها.
وقد ظهرت بوضوح العنصرية البيئية للاحتلال في تقرير لمنظمة "بتسيلم" أفاد بأن 5 منشآت تعمل داخل أراضي الضفة الغربية، 4 منها تعالج نفايات ومواد خطرة تُنتج في" اسرائيل"، بما في ذلك نفايات طبِّية، وزيوت، ومذيبات مستعملة، ومعادن، وبطّاريات مستعملة، ونفايات إلكترونيّة؛ ومنشأة أخرى تعمل على معالجة حمأة المجاري.
وفي مقال لــ "بتسيلم" أيضاً بعنوان "منشأة لاستخراج الطاقة من النفايات تقام في مستوطنة "معليه أدوميم" ذكر أن "إسرائيل" منذ سنين طويلة تستغل كونها "دولة احتلال" أراضي الضفة الغربيّة، مستخدمة إياها في معالجة النفايات (بما في ذلك نفايات خطرة) ومياه الصرف الصحي المتولدة في بلدات تقع داخل حدودها السيادية.
وذكر تقرير لهيومن رايتس ووتس" إسرائيل – إغلاق المقالع يهدد معيشة الفلسطينيين" أن جيش الاحتلال رخَّص 11 مقلعاً على أراضي الضفة الغربية بإدارة إسرائيلية توفر 25% من مواد البناء المستخلصة من المقالع اللازمة للاقتصاد الاسرائيلي واقتصاد المستعمرات، وتُسدد رسوم الاستخراج للإدارة المدنية (التابعة لجيش الاحتلال) والضرائب لبلديات المستعمرات. وهذا يخرق التزامات "إسرائيل" بصفتها "دولة احتلال".
وأشار تقرير منشور في مجلة آفاق البيئة والتنمية "تأثيرات الكسَّارات ومقالع الحجر على عناصر البيئة" إلى أن الكسَّارات ومقالع الحجر الإسرائيلية، وبمباركة من محكمة العدل العليا التي حكمت بقانونية (استغلال "إسرائيل" للموارد الطبيعية في الضفة الغربية لأغراض اقتصادية)، وسَّعت عملها في الضفة الغربية مشوّهة ومدمرّة المشهد البيئي والموارد الطبيعية الفلسطينية، بواسطة آلياتها التي تعمل في عشرات الكسَّارات ليل نهار، لتصدِّر أكثر من 94% من إنتاجها للسوق الإسرائيلي وتغطي أكثر من ربع استهلاك دولة الاحتلال من مواد البناء.
وكشفت سلطة جودة البيئة الفلسطينية في عام 2016، عبر دراسة تقييم الأثر البيئي والصحي للمنطقة الصناعية الإسرائيلية نيتساني شالوم "جيشوري" المقامة شمال الضفة الغربية، عن مدى أثرها السلبي على المجتمع المحلي الفلسطيني، حيث شملت الدراسة فحوصات لمصادر المياه والتربة وجودة الهواء والآثار المتعلقة بالتنوع الحيوي، إضافة إلى فحوصات لدم وحليب الأمهات في المنطقة القريبة من "جيشوري".
ووفق دراسة تقييم سابق للأثر البيئي والصحي للمنطقة الصناعية" نيتساني شالوم" لسلطة جودة البيئة، عام 2016، فقد أثبتت فحوصات من مصادر المياه والتربة وجودة الهواء والآثار المرتبطة بالتنوع الحيوي، ودم وحليب الأمهات في المنطقة القريبة من "جيشوري" أن تركيز العناصر الثقيلة كمركبات الديوكسين والفيوران (وهي ملوثات عضوية سامة ثابتة تبقى لسنين طويلة في البيئة) في العينات التي أُخذت من أشخاص يسكنون قرب المنطقة الصناعية، أعلى مقارنةً بغيرهم من الفلسطينيين في مناطق أخرى، وأن الانبعاثات من غازات وعناصر ثقيلة وسامة في تلك المنطقة عملت على تقليل النشاط البكتيري في التربة، وكانت مياه الأمطار حمضية، بسبب ذوبان أكاسيد النيتروجين والكبريت والأمونيا الناتجة من المصانع وعمليات حرق الوقود غير النظيف في مياه الأمطار. وأكدت الدراسة أن 60 % من عمال تلك المصانع عدم معرفتهم بطبيعة المواد الخام التي تدخل في الصناعات التي يعملون بها.
تلويث ممنهج
بينما أكدت سلطة جودة البيئة، في أيلول 2020، أن ما يحدث في المنطقة الصناعية الإسرائيلية المعروفة باسم "جيشوري"، يقع ضمن الخطط الممنهجة لدولة الاحتلال في انتهاك وتلويث البيئة الفلسطينية باعتبارها أحد أهم مكونات الهوية الفلسطينية.
وأدانت "جودة البيئة"، في بيان صحافي، قيام المنطقة الصناعية بإشعال النيران في مخلفاتها للمرة الثانية خلال أيلول 2020، على مساحة واسعة تصل إلى نحو 10 دونمات، مطالبة الاحتلال الإسرائيلي بنقل مصانعه عن أرضنا المحتلة، وحملته مسؤولية استمرار وجود هذه القنابل الموقوتة.
وأكدت مواصلتها كل الإجراءات الخاصة بتقديم الشكاوى والبلاغات ضد دولة الاحتلال لدى المؤسسات والاتفاقيات الدولية ذات العلاقة، وخاصة برنامج الأمم المتحدة للبيئة وأمانة اتفاقية بازل الخاصة بالتحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها، ولدى مجلس حقوق الإنسان وهيئة الأمم المتحدة.
وأوضحت أنه نتج عن إشعال النيران انبعاث كثيف للدخان الأسود والغبار والغازات، وتطاير الرماد باتجاه سماء طولكرم، وسقوطه على منازل المواطنين وفي الحدائق والساحات العامة والمجمعات التجارية وغيرها.
المصدر : https://www.facebook.com/eecbeitjala
No comments:
Post a Comment