الأراضي المقدسة الخضراء / GHLands
تُسابق الطفلة سيلين محمد العامر (11 ربيعًا) عقارب الساعة التي تقترب من عصر يوم شتوي حار، وتساعد في تغليف وجبات طعام لمئات الأسر التي فقدت بيوتها في مخيم جنين، منذ 21 كانون الثاني الماضي.
تقول سيلين ببراءة وعفوية إن التطوع يجعلها تشعر بالآخرين، وهي سعيدة بعملها لأجل من دمر الاحتلال بيوتهم.
وتواظب العامر، منذ مطلع آذار، على العمل عدة ساعات في "تكية نيسان"، في منطقة مشرفة على وادي برقين، وليست بعيدة عن مخيم جنين، الذي يواصل الاحتلال تدمير بيوته وشوارعه وبنيته التحتية.
ووقف رئيس جمعية "فلسطيننا نداء الحياة"، نضال نغنغية، وسط صالة كبيرة تزاحمت عليها قُدور ضخمة وعشرات المتطوعين وعدة طهاة.
وقال إن التكية، التي يتابع شؤونها، انطلقت عام 2021 لمساعدة العائلات المحتاجة في مخيم جنين، لكنها في هذا العام تمتص جزءًا من موجة النزوح الكبيرة، وتتفرغ لها على عكس الأعوام السابقة.
![]() | ![]() |
خلية عمل في تكية نيسان | وجبات طعام في تكية نيسان جاهزة للتوزيع على مئات الأسر التي فقدت بيوتها في مخيم جنين |
30 ألف وجبة
اختلطت أصوات مواقد النار بضجيج الأواني وطلبات المتطوعين، بينما أكمل نغنغية حديثه، الذي أكد أن التكية التي تتبع للجنة الشعبية للخدمات في المخيم، تنتج 30 ألف وجبة يوميًا.
وأضاف أن الوجبة الواحدة تكلف نحو 12 شيقلًا، وأن الأطباق تتغير أربع مرات في الأسبوع، وهي نظيفة وصحية.
وتفتح التكية، التي اُختير اسمها لتخليد شهداء الاجتياح الكبير للمخيم في نيسان 2002، من التاسعة صباحًا وحتى موعد الإفطار الرمضاني.
وذكر نغنغية أن المتطوعين يوزعون الوجبات على النازحين في أحياء الهدف، وحرش السعادة، وبرقين، وكفر قود، ورمانة، واليامون، وسيلة الحارثية، أما المناطق الأخرى داخل المدينة وفي قباطية والزبابدة فتتكفل بها جمعيات أخرى.
طفلة تساعد في تغليف وجبات طعام لمئات الأسر التي فقدت بيوتها في مخيم جنين
5 آلاف نازح
تتلّقى التكية دعمًا من جهات محلية ومتبرعين، لتغطي غالبية النازحين في منطقة عملها، والبالغ عددهم 5 آلاف، بينما ينشط 25 متطوعًا من أجيال مختلفة في مساعدة الطاهي الأساسي وستة من معاونيه.
فهذه غادة صقر (11 عامًا) لا تتعب من الوقوف عدة ساعات في التكية؛ لأنها تعلم أن الأطباق التي ترتبها تذهب لأطفال في جيلها، ولعائلات فقدت مطابخها وبيوتها وكل شيء، كما تقول.
في حين، كانت السعادة واضحة على وجه الفتى أحمد أبو الهيجاء، الذي يتخصص في تزيين أطباق الأرز الأصفر باللوز.
"إنها المرة الأولى التي أتطوع فيها، لكنها لن تكون الأخيرة بكل تأكيد، فهي تجربة تشعر صاحبها بقيمة وقته وجهده" يقول أبو الهيجاء.
فيما يخبرنا مؤيد سوقية، الطاهي الأساسي، في أثناء تفقده قِدرًا كبيرًا من اللحم، أن فريقه الصغير الذي يعمل بأجر، يأخذ دفعة من التشجيع، عندما يشاهد أعدادًا كبيرة من المتطوعين.
ويرى سوقية أن مهمة التكية نبيلة، ولذلك يتقاضى أجرًا رمزيًا لقاء عمله، ويفضله على غيره.
وأضاف أنه بدأ العمل في مهنته عام 1995، والتحدي الوحيد الذي يواجهه هو السيطرة على تنظيف وطبخ وتحمير ثلاثة آلاف قطعة دجاج، في ساعتين.
متطوعون في تكية نيسان يساعدون في إعداد وجبات طعام لمئات الأسر التي فقدت بيوتها في مخيم جنين
صحة وبيئة
وأكد القائمون على المبادرة تقيدّهم بشروط الصحة والسلامة، وكانوا قبل العدوان يوزعون الوجبات على الأسر المستورة والمحتاجة وعابري السبيل، ومن تقطعت بهم السبل قبل موعد الإفطار.
وكانوا يوفرون 10 مركبات لإيصال الوجبات إلى المنازل، حفاظًا على كرامة المستفيدين وخصوصيتهم، إلا أن عدد الموزعين اليوم تضاعف بسبب تباعد أماكن النازحين.
تسجل الناشطة علا الشيخ إبراهيم التي زارت التكية، ملاحظة، تتمثل في أهمية التخلص من العدد الكبير من الأطباق والأكياس التي تستخدم لمرة واحدة، وتبني بديلًا صديقًا للبيئة.
وقالت علا إن فكرة التكية رائعة، وتشجع على العمل التطوعي، "لكن علينا التفكير في بديل عن البلاستيك الذي يتحول إلى نفايات، عدا عن أن وضع الطعام الساخن في عبوات كهذه له أضراره الصحية".
فيما أفاد المتطوع عز الدين شلاميش بأنه يذهب يوميًا للتكية، وينقل بمركبته الخاصة عشرات الوجبات لنازحين في بلدته برقين.
مفصحًا عن دافعه لذلك: "يد واحدة لا تصفق"، الكل هنا في التكية يعمل وله دوره، وينسجم فريق المتطوعين مع نفسه، ويحس بمحنة غيره". نقلاً عن مجلة آفاق البيئة و التنمية
No comments:
Post a Comment